حزب العمال الكردستاني وتركيا

بقلم: عصام خوري

20/10/2009

عبرت يوم أمس الاثنين الواقع في 19/10/2009 معبر الخابور الحدودي باتجاه تركيا مجموعة من أنصار ومؤيدي حزب العمال الكردستاني التركي القادمين من جبال قنديل ومخيم مخمور والمجموعة مؤلفة من أربعة وثلاثين شخصاً يتقدمهم الناطق الإعلامي باسم المجموعة محمد شريف غينج داغ، ثمانية منهم من المقاتلين من بينهم 1- حسين إيبك 2- نور الدين تورغوت 3- موسى توماك 4- ولايت ياقوت 5- أليف أولوداغ والباقي من المهاجرين بينهم أربعة أطفال, أنتظرهم وأستقبلهم في الطرف التركي من الحدود زهاء المائة ألف نسمة بناء على الدعوة التي وجهت من قبل حزب المجتمع الديمقراطي الموالي لحزب العمال الكردستاني وبحضور كل من رئيسي الحزب أحمد تورك, وأمينة آينة وبعض رؤساء البلديات والقيادات المحلية ممن ينتمون إلى حزب المجتمع الديمقراطي (dtp) .

tcw1

مجموعة السلام هذه هي مبادرة نحو تعزيز الثقة بين الطرفين التركي والكردي التركي، وقد تعاطى معها كلا  الطرفين بشيء من الحذر وبكثير من روح الثقة. فالعمال الكردستاني أرسل مجموعة غير منخرطة في المواجهات العسكرية وغير مطلوبة في أي جرم، كما طالب انصاره في تركيا الاحتفال بهذا الحدث وتصويره اعلاميا كنوع من الانتصار الكردي، الذي باركه رئيس الحزب في معتقله “عبد الله اوجلان”.

 

أما الدولة التركية تقبلت الموضوع بيسر وسهولة واكتفت بإجراءات قانونية شكلية دامت أربعة ساعات فقط ليعود أفراد المجموعة إلى أهلهم وذويهم، وهذا يدل هذا على اتفاق مسبق بين الطرفين، وقد يبشر الشعب في تركيا بأنهم على وشك الانتهاء من معاناة دموية عمرها أكثر من خمسة وعشرين عاماً. لكن حكومة اردوغان وظفت هذا العمل في جانب آخر أيضا يتمثل بأنها قادرة على المناورة مع الاكراد سياسيا، مما وجه رسالة قاسية للمؤسسة العسكرية التركية التي بينت فشلها في تصفية هذا الحزب عبر حربها الطويلة معه، هذا الامر سيحصد ثماره حزب اردوغان الاسلامي شارعيا في الانتخابات المقبلة، ورويدا رويدا سيبين هذا الحزب ان حركات الاسلام السياسي في تركيا قادرة على لعب دور محلي وإقليمي لم تستطع فعله الدولة العلمانية الاتاتوركية التي يدعي الجيش انه يحمي قيمها.

القوميون الاتراك كدنيز بايكال ودولت باخجلي (زعيم حزب العشب الجمهوري والحركة القومية ) عارضوا هذه الخطوة ومخططات رجب طيب أردوغان، لكونهم يدركون أن حكومته حاليا تحوي 89 نائب كرديا، وهم يخشون أن يتحول اردوغان في حال نجاحه، نحو زيادة التمثيل الكردي، مما يعقد الاشكالات القومية في تركيا، خاصة وأن أغلب الشارع الكردي هو شارع مسيس، والارضية الشعبية لحزب العمال الكردستاني قد تتنامى، مما يهمش الحركات الاخرى التي سعت الاجهزة الاستخبارتية التركية على دعمها مثل “حزب الله التركي” لتكون كتلة كردية إسلامية سلمية بوجه هذا الحزب اليساري المسلح .

18b5bb8f-5_0

إن المبادرة التي أطلقها حزب العمال الكردستاني أتت عبر رئيسه عبد لله أوجلان الموجود في سجن إيمرالي في إطار خطة خارطة الطريق التي أعدها في سجنه في 9 أكتوبر بعد لقاء محاميه ، وأكدت بعض وسائل الإعلام التركية عبر تصريح لوزير الدولة التركي السيد بولنت آرش بأن هناك أتفاق بين الطرفين تركيا وحزب العمال بضرورة استمرار مجموعات سلام أخرى قادمة إلى تركيا.  وصرح أردوغان مؤكدا على هذا التوجه. وبدوره أكد هذا الخبر حزب العمال الكردستاني بأن مجموعة سلام أخرى ستتوجه إلى تركيا قادمة من أوربا بتاريخ 28/10/2009 حيث أبقي أسماء القادمين وعددهم طي الكتمان مع ملاحظة بان الأتراك يؤكدون بان المجموعات القادمة ستكون بالمئات بينما صرح حزب العمال عن ثلاث مجمعات فقط علما بان كل من الرئيس التركي عبد الله غول ورئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قد رحبا بهذه الخطوة .

وعلمنا من مصادر موثوقة بأن مجموعة السلام التي عبرت إلى تركيا كانت محملة برسالة من حزب العمال الكردستاني تتضمن مقترحات عبدالله اوجلان وتتلخص بما يلي:

  • تسليم الدولة خارطة الطريق التي أعدها أوجلان بغية حل القضية الكردية في تركيا بالطرق السياسية والسلمية والديمقراطية وإعلانها على الملا.
  • إيقاف العمليات العسكرية للجيش التركي .
  • المطالبة بالعيش المشترك ضمن الدولة التركية بشكل حر ومتساوين الكرد والترك على أساس ضمانات دستورية .
  • السماح بالتكلم باللغة الكردية بحرية في تركيا وتعلمها وتطويرها واحترام قيم الكرد وثقافتهم .
  • أن يسمح للكرد بأن يسمو مواليدهم باسماء كردية وتعلم لغتهم وتنشئتهم بها.
  • السماح للشعب الكردي بإحياء تاريخه وثقافته وطنه وأدبه بحرية .
  • السماح للكرد بتطوير تنظيمهم المجتمعي الديمقراطي على أساس هويتهم القومية والتعبير عن نفسهم بحرية ووضع حد للمظالم والميليشيات وحماة القرى والعيش بأمان .
  • ديمقرطة تركيا وإعداد دستور مدني ديمقراطي لأجل ذلك .

السلطات التركية وبعد دخول المجموعة الاولى لتركيا صرحت يوم 23/10/2009 بأنها سترفض السماح لمجموعة السلام كما يسميها العمال الكردستاني القادمة من أوربا من دخول الأراضي التركية بسبب سلوك حزب المجتمع الديمقراطي في إقامة الاحتفالات والخطابات الشعبية الكبيرة لمجموعة السلام، وهذا يدلل أن أردوغان لا يريد أن تكون هذه المبادرة ذات فائدة أعلى للاكراد على حساب حزبه، وبذلك إن سمح لجماعات سلام اخرى الدخول للاراضي التركية، يجب على حزب المجتمع الديموقراطي عدم توظيف دخولها بصورة تضعف من هيبة الحزب الحاكم، بل يجب أن تبرزه كحزب راعي للمطالب الكردية التي من الممكن تحقيقها في ظل توازن قومي قادم مع ظروف المستقبل.

Kurdish-PKK-guirilla.-Archival-photo.

أولويات تركيا:

من الصعب تماما تحديد مدى البعد السياسي لتركيا المتآلمة من حزب العمال الكردستاني، فالقوى الدولية اليوم تقف على حد سواء أمام تركيا ومشاكلها الداخلية، وهذا ما يمكننا ان نستعرضه من خلال المحاور التالية:

المحور الاميركي: لا يخفى على الجميع أن تركيا واحدة من أكثر القوات المنخرطة في حلف الناتو، وهي تمثل للحكومة الأميركية الخط المعتدل ضمن المجتمع الاسلامي، ولا ريب ان هذه الصفة تجعلها عمودا رئيسيا في لوحة النزاع الشرق اوسطية، كما أن نشاط حزب العمال الكردستاني اليوم نحوها سيكون اثره شديد السلبية في حال كان بخط بعيد عن العدو الاوضح للولايات المتحدة “إيران”، لذا فإن الولايات المتحدة الاميركية تسعى لتحويل الجهاد الكردي نحو المعسكر الايراني من أجل زيادة الضغوط الداخلية التي ستصب في اطار الضغوط الدولية المتنامية بشأن الملف النووي الايراني.

المحور الروسي: إن تنامي السياسة التركية بشأن الاعلاء من دعمها للفلسطينيين وحركة حماس بالاضافة لدورها في تدعيم الاقتصاد السوري عبر مشاريع خصخصة صغيرة، بالاضافة لتخليها عن التدريبات العسكرية المشتركة مع اسرائيل مؤخرا، إنما تعطي اشارات للروس أن تركيا دولة تسعى لسياسة المصالح التركية وحدها فهي التي تسعى اليوم لفتح الاستثمار الاقتصادي لها على الدول العربية المجاورة كبديل عن الحلم التركي الذي يتعرقل دائما بالانضمام للاتحاد الاوروبي.

الاتحاد الاوروبي: يخشى الاتحاد الاوروبي من ضم تركيا لدوله، لكنه يرى ضرورة لتدعيم النظام التركي، بغية عرقلة الحركات الارهابية الاسلامية من اجتياز حدود تركيا نحو الدول الاوروبية التي عانت ما عانت جراء تفجيرات مدريد ولندن.

 

إن هذا العرض السريع يدلل على رضا دولي حول الدور التركي الذي تلعبه في منطقة الشرق اوسط، وهذا ما دفع عموم القوى الدولية الضغط على معسكر حزب العمال الكردستاني من اجل الرضوخ لواقع هدنة أو مصالحة مع المؤسسة التركية، فهل تستفيد تركيا من هذا الواقع أم لا. 

 

المادة باللغة الانكليزية: The PKK and Turkey

Leave a comment