نزوح بلا عودة، انه الشرق الأوسط الجديد

بقلم: عصام خوري

قوافل من اللبنانيين الشيعة تتجاوز الحدود السورية كل يوم، والظن منهم ان رحلتهم بسيطة، ومشابهة لما حدث في تموز 2006

خيارهم الأمثل هو سوريا الأكثر أمانا من لبنان، بالإضافة لقدرتهم على دفع إجارات السكن لمدة أطول في سوريا مقارنة بإيجارات السكن في مناطق وسط لبنان وشمالها

إلا ان الواقع الاقتصادي في سوريا وتحديدا دمشق مخيب للآمال، حيث ارتفعت الإيجارات بنسبة قاربت %70 منذ لحظة النزوح الاولى، لتصل سعر غرفتين في قلب العاصمة دمشق لما يقارب 4.5 مليون ليرة سورية أي ما يقارب $300، في حين وصل سعر نفس الشقة في ريف دمشق، او في اللاذقية، او طرطوس لما يقارب 1.5 مليون ليرة سورية أي ما يقارب $100، مما جعل دمشق وريفها منطقة محصورة بفئة الأثرياء أو متوسطي الدخل من اللبنانيين، اما الفقراء من الشيعة فقد توزعوا في المدارس التي حولتها الحكومة السورية الى مخيمات للإيواء

بالتأكيد تلك المخيمات غير مؤهلة خدميا لاستقطاب الاعداد المتزايدة كل يوم، الامر الذي دفع العديد من الاسر اللبنانية الفقيرة للتواصل مع مقاتلين من حزب الله في سوريا لهدف مساعدتهم، وكان الخيار الاوضح لهم هو محافظة دير الزور، ففي محافظة دير الزور وجود قوي وكبير لمقاتلي حزب الله، وهي من أقل المناطق التي تعرضت للقصف الإسرائيلي، رغم انها مركز استخباراتي متقدم لإيران ما بين سوريا والعراق، وفيها العديد من المنازل التي نزح عنها أصحابها بسبب انضمامهم للمعارضة السورية. حيث حول حزب الله اللبناني بلدة الصالحية التي تبعد عن مدينة دير الزور 80كم، إلى معسكر أمني، بالإضافة لانتشار مقاتليه في مدينتي البوكمال ودير الزور، واللافت للنظر أن قوات التحالف الدولية نفذت عدة ضربات جوية تجاه معسكرات حزب الله والمليشيات الشيعية، إلا ان تلك المليشيات لم تغير مواقعها، وكأنهم مجندين لمرحلة تمرير النازحين من سوريا نحو العراق 

المقال باللغة الانكليزية: Displacement without Return: It is the New Middle East

مؤخرا وصلت أكثر من مئة أسرة من لبنان نحو مدينة دير الزور، وقدمت لهم تسهيلات للإقامة في مدينة البوكمال، إلا ان اغلبهم عاد واستقر داخل مدينة دير الزور، وكان من اللافت أن بعض من تلك الاسر لديهم أقارب أو أبناء مقاتلين متمركزين في دير الزور، وهذا يعطي مؤشرا، أن مقاتلي حزب الله بعد مقتل قياداتهم في بيروت لم يعودوا إلى لبنان، بل التزموا بتوجيهات القيادات الإيرانية في منطقة دير الزور

بدوره الحشد الشعبي العراقي خصص مناطق في محافظة ديالي في الجنوب العراقي لاحتضان النازحين الشيعة اللبنانيين، بحيث تحصل الاسرة النازحة على شقة فندقية مجهزة بكل اللوازم، لحين الانتقال إلى شقة تتناسب وحاجة الاسرة اللاجئة، وحتى الان لم يصل عدد كبير من الاسر اللبنانية الى الجنوب العراقي، فالظن العام لدى هذه الاسر، ان معركة الجنوب اللبناني قد تكون محدودة ولا تتجاوز فترة الشهرين، لذا هم يفضلون الاستقرار في سوريا كمرحلة مؤقتة. لكن اللافت أن العديد من المقاتلين من حزب الله وخاصة المقربين من “علي موسى دقدوق” قائد ما يسمى جبهة تحرير الجولان، طلبوا من اسرهم التوجه للعراق، لقناعتهم أن فرص العودة السريعة الى لبنان باتت مهددة بالزوال، فالجنوب اللبناني كما يبدو مسرح للاستنزاف العسكري، وغالبية البلدات باتت مدمرة، ومن لم يتدمر بات متصدعا، أما البنى التحتية مثل أنابيب الصرف الصحي، ومياه الشرب فقد تدمرت، مما جعل فرص إعادة تأهيل الحياة من جديد شبه مستحيلة. فتنمية تلك المناطق تتطلب عودة آمنة لمؤسسات الدولة اللبنانية، ووجود برنامج دعم مالي كبير مخصص لإعادة الاعمار، وهذا بالحقيقة مستحيل التحقيق بظل دولة متخمة بالفساد، ومديونة لمواطنيها وللبنك الدولي، وليس بها استقرار مؤسساتي، حيث وصل راتب الجندي اللبناني قبل الحرب الى ما يقارب 24,535,200 ليرة لبنانية أي ما يعاد $273، وهذا راتب متدني جدا، والمعضلة أن هذا الراتب في حالة تراجع مستمرة أمام انكسار الليرة اللبنانية، مما يجبر الجندي على الفساد بدل أداء دور الحفاظ على الامن والاستقرار في الجنوب اللبناني

قبل الهجوم الإسرائيلي الكبير يومي 17-18 سبتمبر/ أيلول 2024، كانت الأسر المدعومة من حزب الله تتقاضى مرتبات، ومساعدات عبر بطاقات دعم مشابهة لبرنامج “Foods tamp” وهذه البطاقات صادرة عن بنوك تتلقى أموال من برنامج “القرض الحسن” التابع لحزب الله، وكانت غالبية المتاجر التي تتعاطى مع هذه البطاقات منتشرة في أحياء الحاضنة الشعبية لحزب الله وحركة أمل. الآن قسم كبير من تلك المحال دمرت أو هجر ملاكها، مما جعل فرص امداد الاسر النازحة بالمساعدات أمرا صعبا، أيضا بظل الاختراقات للاتصالات اللبنانية واتصالات حزب الله، فإن العديد من نشطاء حزب الله المتعاطين بالشؤون اللوجستية الاقتصادية باتوا يتجنبون الظهور، أو التنسيق المباشر لردم الفجوات بنظام الدعم المالي أو الغذائي للأسر النازحة. المعضلة أن نظام الدعم هذا غير موجود في سوريا، مما يجعل فرص استمرار الحياة للأسر اللبنانية الشيعية اللبنانية في سوريا محصورا بالمساعدات المقدمة لهم من الحوزات الشيعية، أو الكتائب الشيعية المنتشرة في مناطق السيدة زينب والسيدة رقية

الاستهدافات المتواصلة من الإسرائيليين للأراضي السورية، بالإضافة لحجم الخروقات الأمنية التي طالت العديد من قيادي ومقاتلي حزب الله داخل سوريا، جعلت مناطق دمشق وريفها، مناطق مضطربة، وهو ما يجعل العراق منطقة أكثر أمنا، خاصة وأن العراقيين يوفرون فرص اندماج الأطفال اللبنانيين بالمؤسسات التعليمية مجانا، كما يسددون الإيجارات بشكل كامل للأسر النازحة، وبالإضافة لذلك يزودونهم بسلل غذائية مجانية. في منطقة دير الزور تسعى المليشيات العراقية، والحرس الثوري الإيراني لتوفر نفس الدعم، إلا أن المجتمع القبلي العربي هناك ذو غالبية سنية، مما يعقد من فرص الاندماج مع اللاجئين اللبنانيين الشيعة، لذا قد يكون الجنوب العراقي مكانا مثاليا في حال كان هنالك مخطط إيراني واقليمي لخلق كنتون شيعي عراقي يطغى على باقي المكونات في دولة العراق الغنية بالمليشيات الشيعية، خاصة وان تلك المليشيات مدعومة من الجارة إيران، ولدى الحرس الثوري الإيراني سطوة عليها، وعلى شيعة لبنان المنتمين لحزب الله.

بالإضافة لذلك قد يشكل شيعة لبنان فرصة جوهرية لتطور المجتمع الشيعي العراقي، بحيث يتحول من الحالة القبلية المتخلفة، إلى حالة أكثر مدنية، فالشيعة اللبنانيين أكثر تعلما من الشيعة العراقيين، وقدرتهم على الاندماج بالثقافات المختلفة أفضل بأشواط من العراقيين، وهذا بالحقيقة أمر يحتاجه شيعة العراق، فمناطق العراق ذات الغالبية الشيعية مناطق ثرية بالنفط، ولكن فرص التنمية الاقتصادية والمجتمعية محدودة جدا بسبب الفساد وغياب التخطيط الاستراتيجي، والسعي وراء الماورائيات المرتبطة بالفكر الديني، وبالتأكيد تغيير هذه الثقافة لن يكون سلسا، بل هو بحاجة لشخصيات متدينة شيعيا، ولديها الثقافة الاكاديمية الجيدة، وهو أمر متوفر عن الشيعة اللبنانين.  من هنا قد تكون هذه الحرب مرحلة مهمة في إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط، عبر التهيئة لنظام شيعي أكثر تطورا في العراق وصولا لسوريا، بحيث يصبح الوجود السني في مناطق دير الزور متوازنا مع الشيعة الممتدين من العراق نحو دمشق

 المقال باللغة الانكليزية: Displacement without Return: It is the New Middle East

Leave a comment