الكرد والعرب، أزمة الهوية والنفوذ

بقلم عصام خوري

المركز التشيكي السلوفاكي للدراسات المشرقية

طرحنا لمشروع “مناطق متوازية” الجزء الأول “استراتيجية ضبط الحدود”[1] عبر المركز التشيكي السلوفاكي للدراسات المشرقية، في شهر حزيران ٢٠٢٣ كان مفيدا جدا لنا في صياغة واستنباط الآراء، للوصول لخلاصات بالغة الأهمية تقدم تصورات واقعية للجزئين الثاني والثالث من هذا المشروع

وكما كان متوقعا، فإن الأطراف العربية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، كانوا من أشد المنتقدين لهذا المشروع[2]، كونه يهدد نفوذهم، ويقوض كل الامدادات اللوجستية التي يحصلون عليها لغرض ضمان هيمنة إيران على شواطئ البحر المتوسط. ففي برنامج لعبة الكراسي نهاية شهر آب/ أغسطس ٢٠٢٣، عبر قناة الشرقية، بين رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي[3]، عن تخوفاته من محاولة غلق القوات الأميركية الحدود السورية العراقية، واعتبر أن هذا المشروع إن تم فهدفه العريض هو محاصرة النظام السوري برا وجوا، بشكل كامل، وهذا سيعني السعي من جديد لإسقاط النظام السوري، خاصة وأن الاحتجاجات في منطقة السويداء مستعرة، ومناطق الشمال السوري الغربية والشرقية خارجة عن سلطة الأسد. أما الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله فقد استبعد فكرة غلق الحدود، محذرا بأن قواته على جاهزية لتحدي الأميركيين عسكريا[4]

عقب هذين التصريحين، حدثت اشتباكات بين العشائر المكونة للمجلس العسكري في دير الزور، وقوات سوريا الديموقراطية، وظهر سبب الخلاف العلني اعتقال “قسد” لقائد المجلس العسكري لدير الزور أحمد الخبيل الملقب “أبو خولة”[5]  بتهم فساد، طبعا الكثير من العشائر العربية غير المنطوية في المجلس العسكري لدير الزور انضمت له، مما زاد من حجم الاشتباكات، واستدعى من التحالف الدولي السعي لتقريب وجهات النظر بين الطرفين المتحاربين، حيث التقى نائب مساعد وزير الخارجية غولدريتش، واللواء فويل في شمال شرق سوريا مع قوات سوريا الديمقراطية ومجلس سوريا الديمقراطية وزعماء القبائل من دير الزور، واتفقوا على أهمية معالجة مظالم سكان دير الزور، وضرورة وقف تصعيد العنف في أسرع وقت ممكن

تزعم المعارك من طرف العشائر العربية، زعيم عشيرة العكيدات “إبراهيم الهفل”، حيث بادرت قواته غير المزودة بعتاد ثقيل بمهاجمة حواجز قوات سوريا الديموقراطية، وطالب الهفل من عموم العرب المنضمين لقوات سوريا الديموقراطية الانشقاق عنها، والانضمام لقواته. ورغم تعاطف عموم العشائر العربية مع موقف الهفل، إلا أن تلك العشائر لم تكن مستعدة للمؤازرة السريعة، مما سمح لقوات سوريا الديموقراطية بالسيطرة سريعا على معقل إقامة “إبراهيم الهفل” في بلدة ذبيان يوم ٨ أيلول/سبتمبر ٢٠٢٣، وهو ما دفع العديد من مقاتلي عشيرة العكيدات للانسحاب نحو القرى المجاورة والتهيئة لحالة حرب شوارع تسبب حالة استنزاف عسكرية لقوات سوريا الديموقراطية

  المعضلة القومية

اعتقال أحمد الخبيل ليس السبب الرئيسي في اندلاع المعارك، فالتنافس العربي-الكردي على منطقة الجزيرة السورية قائم منذ هيمنة حافظ الأسد على الحكم في سوريا، واستمر في عهد ابنه

وكانت ذرة الخلاف العربي-الكردي في احداث ملعب القامشلي عام ٢٠٠٤، التي أدت لما سمي آنذاك ثورة الأكراد، وقد اصطفت العشائر العربية آنذاك في صف الدولة السورية وجرى قمع تلك الثورة.وعندما اندلعت الثورة السورية عام ٢٠١١، كان قسم كبير من العشائر العربية ضد نظام الحكم، فلجأ النظام السوري للتحالف مع بعض القوى الكردية لغرض مساعدته في كبح الانتفاضة الهادفة لإسقاط سلطاته في مناطق الحسكة. بعد هيمنة الدولة الإسلامية على مساحة واسعة من سوريا، بادر التحالف الدولي لمناهضة الإرهاب للدخول للأراضي السورية، وحول قسم كبير من الاكراد المتحالفين للأسد ولاؤهم نحو الولايات المتحدة الأميركية، مما ساهم بتهيئة جسم عسكري عربي-كردي- سرياني- أشوري وأطلق عليه اسم “قوات سوريا الديموقراطية” لهدف محاربة الإرهاب. وتسلم قيادة هذا الجسم العسكري الجنرال “مظلوم عبدي”، وهو سوري كردي، ورغم البراعة العسكرية لمظلوم، إلا انه استعان بعدد كبير من القيادات الكردية في إدارة وحداته العسكرية، مما أشعر القبائل العربية بالتهميش السياسي والعسكري.  

أيضا عندما تأسست إدارة سياسية لشمال شرقي سوريا، تم فرض تشريعات غير متوائمة مع النظم القبلية العربية التي ترتكز على الهيمنة الذكورية، وعلى الشريعة الإسلامية، مثل عدم تعدد الزوجات، التوزيع العادل بالإرث بين الرجل والمرأة، ضرورة تمثيل النساء في كل الإدارات بنسبة ٥٠٪. عموم تلك الأمور أشعرت شيوخ العشائر العربية بالتهميش الاجتماعي والسياسي، لذا ظهرت محاولة عشيرة العكيدات بمثابة صرخة هدفها الرئيسي، تحفيز التحالف الدولي المناهض للإرهاب، بضرورة التعاطي مع البنية العشائرية العربية بطريقة منفصلة عن الأكراد

وإذا نظرنا ل”مشروع المناطق المتوازية” نرى تفهما واضحا لخصوصية المجتمعات المتواجدة على الأرض السورية، حيث كان اقتراحنا واضحا بضرورة أن تنسيق عشائر البادية السورية مع عشائر دير الزور نشاطها العسكري لهدف قطع الحدود السورية-العراقية، على أن تساعدهم في ذلك قوات سوريا الديموقراطية تحت اشراف التحالف الدولي، وعند تحقيق ذلك تتسلم تلك العشائر إدارة مناطقها، لا ان تفرض عليها إدارة من قوات سوريا الديموقراطية

فالعشائر العربية معنية بأن تشعر بأهميتها، ومن واجب الأميركيين احترام خصوصية تلك المجتمعات، وعدم السعي لتغيير عاداتهم البالية بطريقة مباشرة وسريعة، بل يجب أن يتم ذلك بطريقة تدريجية، من هنا نقترح الخطوات التالية

  • تنظيم لقاءات أميركية-بريطانية مباشرة مع شيوخ العشائر العربية، لهدف معرفة مطالبهم
  • تهيئة فريق سياسي سوري مهمته تقريب وجهات النظر بين العرب والأكراد. “بإمكاننا أن نقدم جملة من الأسماء”
  • هيكلة مجلس عشائر عربية يمثل قيادة موحدة للعشائر العربية
  • تأسيس جسم عسكري عربي تحت اشراف التحالف الدولي، هدفه العريض ضبط الحدود العراقية-السورية، يقوده شخصية عسكرية عربية لها قدرة على التنسيق والتفاهم مع الجنرال مظلوم عبدي. “وبإمكاننا أن نقدم جملة من الأسماء”

هذه الاقتراحات مهمة جدا، لضمان تفاعل ناجح ومثمر من القبائل العربية مع التحالف الدولي، لهدف قطع طريق الإمداد الإيراني من العراق نحو سوريا، وهذا بالتأكيد يقوض نشاط المليشيات الشيعية التي يسبب وجودها حالة احتقان طائفية في الشرق السوري


[1] Parallel Zones Project “The border control strategy”/ The Czech-Slovak Institute of Oriental Studies/ July 2023/By, Issam Khoury https://globaluserfiles.com/media/186178_3fc1e8732f2129dee49f11663248bd14a84d5a61.pdf/o/parallel%20zones%20project%20by%20issam%20khoury.pdf

[2] قناة الحدث/ آب/ أغسطس
https://www.youtube.com/watch?v=W28IT3yjn50

[3] قناة الشرقية/ آب، أغسطس/ برنامج لعبة الكراسي
https://www.youtube.com/watch?v=an3iEvAEezw

[4] قناة أورينت/ آب، أغسطس/
https://youtube.com/shorts/UO0AKyZFWSg?si=KavLX9GOHXRjRQb1

[5] أحمد الخبيل هو قائد المجلس العسكري لدير الزور المدعوم من قوات التحالف الدولي

Leave a comment