عسقلان أم تل أبيب: الأهداف الحاسمة في رواية صراع غزة

بقلم: عصام خوري

CSIORS , Oct 13, 2023

عاد أو قتل غالبية مقاتلي حماس المتوغلين داخل الحدود الإسرائيلية يوم ١٣ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠٢٣ ، وبدأت رحى الحرب المستعرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في مرحلة ثانية كان عنوانها الرئيسي “أخلوا شمالي غزة”. قطاع غزة واحد من أكثر رقع العالم كثافة ونموا سكانيا، ففي العام 2014، كان تعداد السكان 1,8 مليون نسمة[1]، ورغم الواقع الاقتصادي المتردي في هذا القطاع والحروب المستمرة، ارتفع تعداد السكان ليصبح 2,3 مليون نسمة في العام 2023، طبعا هذا الرقم يعكس خصوبة المجتمع الفلسطيني، وعدم تأثره بالظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتربصة به، وبالتأكيد هذه الزيادة السكانية الكبيرة تبعد من اذهان الحكومة الإسرائيلية أي فكرة لضم قطاع غزة ليكون جزءا من الدولة الاسرائيلية

هجوم حماس يوم 07 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، لم ينطلق من مدينة غزة وحدها، بل انطلق من عدة مناطق ليستهدف عموم الجنوب الإسرائيلي، إلا أن الرد الإسرائيلي تركز بشكل رئيسي على مدينة غزة، في إشارة من الإسرائيليين لضرورة اخراج هذه المدينة من حسابات تنظيم حماس

يعيش في مدينة غزة وحدها 1,1 مليون نسمة[2]، أي ما يقارب 47,8% من عموم سكان قطاع غزة، وتعد غزة أقرب مدن قطاع غزة إلى مدينة عسقلان ” أكبر مدن الجنوب الإسرائيلي” التي تحوي 137.9 ألف نسمة[3]، وقد انتهج مقاتلي القسام استراتيجية القصف المكثف لهذه المدينة كرد فعل على قصف غزة، وأعلن عدة متحدثين من حماس “القصف على عسقلان لن يتوقف حتى يتوقف القصف على غزة”. صواريخ حماس رغم قدرتها على خرق القبة الحديدة، إلا أن القادر منها على قصف مطار بن غوريون في إسرائيل محدود، لذا تسعى حماس لتكثيف قصفها على عسقلان القريبة من الحدود الشمالية لغزة، كي تستنفذ صواريخ القبة الحديدية، ثم تمرر عدة صواريخ بعيدة المدى لتستهدف مطار بن غوريون أو مدينة تل أبيب لتزيد من حالة الرعب بين الإسرائيليين وتجبرهم على التفاوض

بالتأكيد قصف أي مدينة إسرائيلية هو أمر مخيف للإسرائيليين، ولكن قصف تل ابيب، هو أمر مخيف للدولة الإسرائيلية، لأنه يمس الاقتصاد الإسرائيلي، وهيبة الدولة ضمن جمهور اليهود المنتشرين حول العالم

فمطار بن غوريون هو المتنفس الأهم لإسرائيل، واغلاقه، يعني اغلاق لقطاع السياحة الإسرائيلي الذي تدر منه إسرائيل ما لا يقل عن 3,6 مليار يورو[4]، كما أن السياحة تمثل وجه الدبلوماسية الناعمة التي تنتهجها إسرائيل للقبول بها كدولة اعتدال دينية تخدم “اليهود، والمسيحيين، والمسلمين”، ففي عام 2023، استضافت إسرائيل 2,67 مليون سائح من مختلف دول العالم، وأغلب هؤلاء السياح جاؤوا لهدف الحج الديني لحائط البراق، أو لكنيسة القيامة، أو للمسجد الأقصى

من هنا ندرك أن الأولوية القصوى لإسرائيل في معاركها العسكرية تجاه حماس، تتمركز نحو إبعاد الجناح العسكري لحماس عن الحدود الشمالية لغزة، بغية توسيع المسافة بين صواريخ كتائب القسام ومطار بن غورين

لذا دعا الجيش الإسرائيلي أهالي القطاع الشمالي لغزة لنزوح نحو جنوب القطاع، حفاظا على أمان المدنيين، واعتبر مناطق شمالي قطاع غزة منطقة عمليات عسكرية، في نية منه لإنهاء أي وجود مسلح لمقاتلي حماس في شمالي غزة

تنظيم حماس أدرك خطورة هذا التوجه، فناشد أهالي حماس، بعدم الاصغاء لإسرائيل، والصمود في مدينتهم، متزرع بفكرة التهجير التي مارستها إسرائيل خلال حروبها مع الفلسطينيين “أي أن الفلسطينيين الذين سينزحون لجنوب غزة لن يستطيعوا مستقبلا العودة لمنازلهم في شمالي غزة، لان تلك المنطقة ستصبح محتلة، كما حدث في مناطق عرب 48”. المعضلة عند المدنيين الفلسطينيين، أنهم محدودي الخيارات، فالجيش الإسرائيلي، وقبيل الإعلان عن هجومه الشامل، دمر أحياء كاملة في غزة، مما أجبر عدد كبير من قاطني تلك الأحياء على مغادرتها، نحو مدارس مؤسسة الأونروا، أو للمناطق التي لم يطالها الدمار حتى الآن.  والمصيبة أن منازل الفلسطينيين المدمرة جرى تحويلها من قبل مقاتلي حماس، إلى متاريس عسكرية يسهل الاختباء خلفها، لتنفيذ حرب شوارع تنهك الجيش الإسرائيلي، وهذا يعني أن المدنيين الفلسطينيين خسروا تلك المنازل سواء انتصرت حماس أو إسرائيل، وباتوا اليوم مشردين، فهم غير قادرين على إعادة اعمار منازلهم المدمرة، ولا توجد هيئات دولية تدعم إعادة اعمار احيائهم، من هنا قد يكون خيار نزوحهم عن شمالي غزة واقع لا مفر منه

الخطير في هذا الطرح، أن الدولة المصرية غير راغبة في استضافة اللاجئين الفلسطينيين في مناطق سيناء، مما سيعني تنامي الكثافة السكانية الفلسطينية في بلدات جنوب قطاع غزة. وهو ما سينعكس سلبا على مشاريع التنمية المستدامة للفلسطينيين، ويولد حالة نقمة متزايدة من الفلسطينيين تجاه الإسرائيليتين، مما يعني خلق حرب جديدة بعد الطرفين بعد عدة أعوام

لذا من الضروري، على الأمم المتحدة، تفعيل قنوات سلام بين الطرفين المتحاربين، يكون ركيزتها، النقاط التالية

  1. تحرير المدنيين الإسرائيليين مقابل عدم المساس بمخيمات الفلسطينيين المدنيين في شمال قطاع غزة
  2. تشكيل وحدة أممية منتشرة على طول الحدود بين غزة وإسرائيل، تضمن فض النزاعات العسكرية
  3. الاعتراف بغزة كدويلة لها تنسيقها الأمني والإداري مع الدولة المصرية المجاورة لها، لحين تحقيق دولة فلسطينية معترف بها دوليا   
  4. تقديم مساعدات مالية أممية للدولة المصرية، لهدف مساعدة المدنيين الفلسطينيين في قطاع غزة، على إدارة شؤونهم الإدارية مثل “اصدار جوازات سفر، وثائق تعليم معترف بها دوليا، السماح بالسفر لهم عبر مطارات الدولة المصرية بكل حرية، وغيرها”
  5. تفعيل مشاريع التنمية المستدامة للفلسطينيين بغية تقليص اعتمادهم على مؤسسات حماس وغيرها من التنظيمات الجهادية

 

 

 


[1] World Bank/2014

[2] Israel warns half of Gaza’s population to move south, UN says/ By Michelle Nichols/ Reuters/ Oct 13, 2023

https://www.reuters.com/world/un-says-israeli-military-warns-11-mln-gazans-relocate-south-2023-10-13/

[3] Population of Ashkelon 2023
https://all-populations.com/en/il/population-of-ashkelon.html

[4] 2.67 million tourists entered the country in the year 2022, and the revenue amounted to over 3.6 billion euros/ I24 Tv/ Feb 04, 2023
https://www.i24news.tv/ar/%D8%A3%D8%AE%D8%A8%D8%A7%D8%B1/middle-east/1672850499-%D9%88%D8%B2%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%8A%D8%A7%D8%AD%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D9%8A%D9%84%D9%8A%D8%A9-2-67-%D9%85%D9%84%D9%8A%D9%88%D9%86-%D8%B3%D8%A7%D8%A6%D8%AD-%D8%AF%D8%AE%D9%84%D9%88%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%84%D8%A7%D8%AF-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D8%A7%D9%85-2022-%D9%88%D8%AD%D8%AC%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D8%A6%D8%AF%D8%A7%D8%AA-%D8%A8%D9%84%D8%BA-%D8%A3%D9%83%D8%AB%D8%B1-%D9%85%D9%86-3-6-%D9%85%D9%84%D9%8A%D8%A7%D8%B1-%D9%8A%D9%88%D8%B1%D9%88

Leave a comment