شعبة المعلومات من قوة إلى معضلة

بقلم: عصام خوري

المعهد التشيكي السلوفاكي للدراسات المشرقية

اشتهر فرع المعلومات اللبناني زمان العقيد وسام الحسن بكفاءته العالية في ضبط شبكات التجسس، وملاحقة المجرمين، لدرجة بات هذا الفرع أهم مؤسسة أمنية في لبنان، وهو ما أعطى أسرة الحريري، وتيار المستقبل التابع لهم قوة نافذة في الساحة الأمنية اللبنانية والإقليمية خاصة فيما يعنى ملفات مكافحة الإرهاب

إداريا يتبع فرع المعلومات لرئاسة الأركان، ولكن مؤخرا صدر قرار من مدير الأمن العام اللواء عماد عثمان، لغرض فك ارتباط هذه المؤسسة بقيادة الأركان، والحاقها بالأمن الداخلي، وهو ما رفضه وزير الداخلية بسام مولوي

هرمية العمل الأمني والعسكري اللبنانية معقدة جدا، بسبب الموازنات الطائفية للمناصب، وتقسم هذه الهرمية ضمن وزارتين هما

     وزارة الدفاع الوطني

 يرأسها الوزير موريس سليم[1]، ويعتمد الوزير في معلوماته الأمنية على كل من مؤسسة الجيش اللبناني[2]، التي ترتكز على مؤسستين هما

  • قيادة الجيش: التي يقودها حاليا العماد جوزيف عون
  • رئاسة الأركان: حاليا يقود هذه المؤسسة اللواء أمين العرم، وعادة يقود هذه المؤسسة شخصية محسوبة على “الطائفة الأرثوذكسية”، وينوب رئيس الأركان عن قائد الجيش في حال غيابه ويمارس مهماته وصلاحياته طوال فترة غيابه

من هنا يكون منصب وزير الدفاع الوطني منصبا إداريا، مهمته الرئيسية

  • تنسيق التفاهمات مع وزارات الدفاع للدول الأخرى
  • التمثيل الرسمي لوزارة الدفاع أمام السفارات والهيئات الدولية
  • التصريحات الرسمية لوسائل الاعلام

كما يحق لوزير الدفاع الوطني تعيين رئيسا للغرفة العسكرية بمرسوم، بعد استطلاع رأي قائد الجيش، ومهام هذه الغرفة تكون محصورة بالتالي:

  1. مراقبة قانونية الاعمال الادارية في وزارة الدفاع الوطني
  2. ممارسة صلاحية الرقابة المؤخرة على محاسبة الاعتدة والاشغال
  3. دائرة العلاقات العامة والاعلام
  4. دائرة الملحقين العسكريين اللبنانيين في الخارج
  5. دائرة الشؤون القانونية والقضاء العسكري
  6. دائرة العسكريين القدامى.

القوة الفعلية لوزارة الدفاع والجيش بيد قائد الجيش الذي يفترض بأن يكون من الطائفة المارونية، في حين تناوب على قيادة منصب الوزير شخصيات مسيحية وسنية، واللافت للنظر أن هذا المنصب لم يحصل عليه أي شخصية شيعية

      وزارة الداخلية والبلديات

يرأس هذه الوزارة حاليا بسام مولوي، وهو شخصية سنية، وكان في السابق قاضيا في محكمة الجنايات، ويعرف بأنه مستقل، وله صلات جيدة مع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي المدعوم من سوريا، وفي الآن ذاته لديه تقدير واحترام عالي من اللواء المتقاعد أشرف ريفي المعروف بعدائه للنظام السوري


وتتبع لهذه الوزارة كل من المؤسسات الأمنية التالية   

الأمن العام اللبناني

يرأسه اللواء الياس البيسري[3]، وتسلم منصبه بالوكالة لمدة ستة أشهر خلفا للواء عباس إبراهيم الذي تقاعد في ٢ آذار/ مارس ٢٠٢٣. عباس إبراهيم كان أميز قادة هذا الجهاز الأمني، بسبب علاقته الوطيدة مع حزب الله، حيث ابرم في عهده عدة صفقات مع الجماعات الإرهابية، من أبرزها (تحرير راهبات معلولا[4]، الافراج عن مختطفين قطريين[5]، الافراج عن المختطفين شيعة لبنانيين قادمين من إيران إلى سوريا[6])

كما ادار اللواء عباس ملف ترسيم الحدود اللبنانية- الإسرائيلية عبر الوسيط الأميركي، وفشل بمفاوضاته مع النظام السوري لتحرير المختطفين الأميركيين في السجون السورية، مما يدلل على أن كفاءة هذا الرجل مختصة بملفات الجماعات الراديكالية المتطرفة

قوى الأمن الداخلي

المدير العام لقوى الامن الداخلي، هو اللواء عماد عثمان[7]، وتتبع لقيادة الأمن الداخلي كل من الوحدات التالية

1- وحدة هيئة الأركان[8]

تضم الشعب المنوط بها اعداد الدراسات وتقديم الاستشارات إلى المدير العام، ويرأسها العميد نعيم شماس.

2- المفتشية العامة لقوى الامن الداخلي[9]

 تتبع اداريا لها كل من الدائرات التالية، التي يقودها منذ عام ٢٠١٧

  • الدرك: عادة يكون رئيس هذا القسم ماروني، ويقوده العميد جوزف الحلو
  • الإدارة المركزية: ويقوده العميد سعيد فوا
  • معهد قوى الامن الداخلي: وعادة يكون رئيس هذا القسم سني
  • الوحدة القضائية: ويقودها العميد جوزف كلاس
  • شرطة بيروت: ويقودها العميد محمد الأيوبي
  • جهاز امن السفارات: ويقوده العميد وليد جوهر
  • وحدة الخدمات الاجتماعية: ويقوده العميد فارس حنا
  • قوى امن السيارات: ويقودها العميد فؤاد الخوري 

أمن الدولة

يرأسه اللّواء طوني صليبا[10]، وتتركز مهام هذه المؤسسة حول

  1. جمع المعلومات المتعلقة بأمن الدولة الداخلي، بواسطة شبكات خاصة بها تغطي الأراضي اللبنانية واستقصاء المعلومات الخارجية من الأجهزة القائمة، والتحقق منها وتحليلها وتصنيفها وحفظها أو إحالتها إلى الجهات المختصة
  2. مراقبة الأجانب بالتحري عما يقومون به من أعمال تمس بأمن الدولة، ومراقبة علاقات المواطنين بالجهات الأجنبية فيما يتعلق بأمن الدولة
  3. مكافحة التجسس والنشاط المعادي بمختلف أشكاله
  4. التحقيقات الأولية في الأفعال التي تمس أمن الدولة الداخلي والخارجي، بصفة ضابطة عدلية وفقاً للدستور والقوانين المرعية الإجراء
  5. التنسيق مع باقي الجهات الأمنية المختصة في المديرية العامة للأمن العام وقوى الأمن الداخلي ومديرية المخابرات في الجيش بشؤون الاستعلام وتبادل المعلومات
  6. وضع التقارير الدورية لاطلاع المجلس الأعلى للدفاع على الوضع العام الأمني والسياسي، ووضع المقترحات المناسبة لمجابهة الأخطار الداخلية، والخارجية، وإطلاع رئيس المجلس الأعلى للدفاع، ونائبه بصورة دائمة على الوضعين الأمني والسياسي

الجمارك

 وتنقسم مديرية الجمارك العامة لثلاثة اقسام

  • مدير بيروت
  • رئاسة إقليم شتورة
  • رئاسة إقليم طرابلس

شعبة المعلومات والمعضلة الأمنية

اشتهرت شعبة المعلومات زمان العقيد وسام الحسن[11] بأنها الذراع الأمنية الأهم لتيار المستقبل، وقد استطاعت هذه الشعبة القبض على العديد من الجواسيس، لدرجة بات نشاطها أهم بكثير من مؤسسة “أمن الدولة” المعنية بمتابعة ملفات الجواسيس والاستخبارات الخارجية 

أيضا امتلكت هذه الشعبة قوة مسلحة خاصة بها مهمتها مداهمة المنتهكين للقانون، وهذا الأمر جعلها تنفذ عمليات اعتقال، بدون التنسيق مع “المفتشية العامة لقوى الامن الداخلي”، المعنية بتنفيذ عمليات المداهمة

القوة الحقيقية لشعبة المعلومات، تكمن بكفاءة أجهزة التنصت على الهواتف الخليوية وشبكات الانترنيت، التي تم تزويدها بها منذ زمان الرئيس رفيق الحريري، وهذه الأجهزة غير متوفرة في باقي المؤسسات الأمنية اللبنانية

بحكم سيطرة تيار المستقبل على هذه المؤسسة، كانت قيادتها محسوبة على الطائفة السنية، فبعد اغتيال وسام الحسن يوم ٢١ أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٢، جرى تعيين مسؤول حرس أمن سعد الحريري، اللواء عماد عثمان مكانه، إلا أن كفاءة عثمان الأمنية لم تكن مثل الحسن، ففي عهده ترجع دور هذه الشعبة لصالح الأمن العام اللبناني بقيادة اللواء عباس إبراهيم، وهذا الأمر كان متوقعا فقد ازداد توظيف الشيعة المحسوبين على حزب الله وحركة أمل في المؤسسات الأمنية اللبنانية، في مسعى واضح نحو الهيمنة على القرار الأمني، وقسم ليس بقليل من موظفي شعبة المعلومات باتوا موالين للواء عباس إبراهيم، مما جعل المعلومات الأمنية بعهدة حزب الله

في ٨ مارس/ آذار ٢٠١٢، ترفع عثمان لمنصب المدير العام لقوى الأمن الداخلي، وتسلم قيادة هذه الشعبة العميد خالد حمود. طبعا ترفيع عثمان، هو بمثابة تقليص لصلاحياته، فرغم أن شعبة المعلومات ضمن مؤسسات الأمن الداخلي، إلا أنها قادرة على تنسيق أعمالها بشكل مباشر مع رئاسة الأركان في الجيش اللبناني، هذه الخاصية أعطت هذه المؤسسة نوعا من المرونة في التملص من قرارات الأمن الداخلي، وقيادة الأركان

بداية نهاية حزيران/ يونيو ٢٠٢٣، أقدم العميد خالد حمود، على سلسلة من الإجراءات الإدارية، من أبرزها

  • اقالة ٢٥ ضابط للتقاعد
  • تعيين العميد بلال الحجار، بمنصب مساعد أول لقائد معهد قوى الامن الداخلي
  • تعيين العميد علي سكينه مساعد أول لقائد الدرك
  • فصل شعبة المعلومات عن رئاسة الأركان يوم حزيران/ يونيو ٢٠٢٣
  • ربط شعبة المعلومات بمكتب المدير العام للأمن الداخلي

هذه التغيرات أتت ممنهجة مع تغيرات أخرى، فالعميد خالد حمود المرتبط برئيس الأركان نعيم الشماس، مهدد بالإقالة من منصبه، لأن العميد شماس قد تقاعد من منصبه “بحكم العمر”. واللواء عثمان مهتم بتعيين نائبه العميد جهاد أبو مراد، في موقع رئيس الأركان، وفعليا تعيين أبو مراد غير ممكن لسببين هما:

  • الرتبة العسكرية حسب الأقدمية للعميد جهاد أبو مراد أقل من رتبة العميد خالد حمود، وعسكريا لا يمكن لأبو مراد أن يكون رئيسا للعميد حمود
  • منصب رئيس الأركان محسوب ضمن المحاصصات الطائفية للطائفة الأرثوذكسية، والعميد جهاد أبو مراد ليس أرثوذكسيا

من هنا قرر اللواء عثمان، فصل شعبة المعلومات عن رئاسة الأركان، واجراء تغيرات أمنية تهدم المحاصصات الطائفية، بحيث جاء تعيين العميد الشيعي علي سكينه في موقع قائد الدرك، رغم أن هذا المنصب محسوب للطائفة المارونية    

أيضا جاء تعيين العميد بلال الحجار في معهد قوى الأمن الداخلي، كمحاولة لإرضاء حزب الله، فرغم أن العميد الحجار سني، إلا أنه مقرب من حزب الله بحكم قيادته لمنصب منطقة الجنوب لقوى الأمن اللبناني، وتماسه الدائم مع الأجهزة الأمنية التابعة لحزب الله

من هنا نرى سعي واضح من اللواء عثمان، للعب دور قيادي نافذ في الأمن اللبناني عبر إرضاء الشيعة على حساب المسيحيين، مع المحافظة على مناصب السنة، وهذا الأمر رفضه وزير الدفاع بسام مولوي، الذي لا يرغب بأن تتأجج الخلافات الطائفية حول المناصب الأمنية في عهده

حل منطقي

المعضلة الحقيقية في لبنان لا تكمن في شعبة المعلومات، بل تكمن في (وحدة هيئة الأركان) التي تحسب إداريا على وزارة الأمن الداخلي والبلديات، في حين عملها الحقيقي هو مع وزارة الدفاع. لذا الحل ليس بتغيير رئيس الأركان، بل الحل هو بنقل هيئة الأركان إلى وزارة الدفاع، وفعليا هذا الإجراء قد يكون مرضيا لجمع الفرقاء اللبنانيين، الذين يرون جيش لبنان مؤسسة غير طائفية، وهي المؤسسة الوطنية الحامية لوحدة التراب اللبناني. بالتأكيد تغيير هيكلية المؤسسات أمر طبيعي، أما الغاء ارتباط مؤسسة مع وزارة فهو أمر شديد التعقيد، ويحتاج لحكومة لبنانية، وتصويت من مجلس النواب اللبناني، وهذا الأمر غير محقق في لبنان بسبب عمل الحكومة الحالية بالوكالة، والرئاسة بالوكالة! لذا قد ينجح اللواء عثمان في خطته، ولكن بالتأكيد سيخسر لبنان مهارات فريق شعبة المعلومات التي ستتحول لتكون بخدمة حزب الله  


[1] وزارة الدفاع الوطني/ منصب الوزير
https://www.mod.gov.lb/Minister

[2] موقع الجيش اللبناني
https://www.lebarmy.gov.lb/ar/chiefs_of_staff

[3] Acting Director General of the General Security, CV, Elias Al-Baysari
https://www.general-security.gov.lb/uploads/directors/CV_ilyas_al_baysari_v3.pdf

[4] عوامل عجَّلت بتحرير راهبات معلولا، الجزيرة، علي سعد، أكتوبر، نشرين الأول ٢٠١٤
https://www.aljazeera.net/news/2014/3/10/%D8%B9%D9%88%D8%A7%D9%85%D9%84-%D8%B9%D8%AC%D9%91%D9%8E%D9%84%D8%AA-%D8%A8%D8%AA%D8%AD%D8%B1%D9%8A%D8%B1-%D8%B1%D8%A7%D9%87%D8%A8%D8%A7%D8%AA-%D9%85%D8%B9%D9%84%D9%88%D9%84%D8%A7

[5] هذا هو الملف السريّ الذي حمله الرئيس عون معه الى قطر، باسكال أبو نادر، النشرة، كانون الثاني ٢٠١٧
https://www.elnashra.com/news/show/1066559

[6] مطالبة بالسعي لتحرير المطرانين المخطوفين بعد إطلاق مخطوفي أعزاز، ليال أبو رحال، الشرق الأوسط، أكتوبر/ تشرين الأول ٢٠١٣
https://aawsat.com/home/article/6936

[7] عماد عثمان، السيرة الذاتية
https://www.isf.gov.lb/ar/article/5513/

[8] https://www.isf.gov.lb/ar/article/167/

[9] https://www.isf.gov.lb/ar/article/168/

[10] المديرية العامة لأمن الدولة، طوني صليبا، السيرة الذاتية
http://www.state-security.gov.lb/Media/%D8%B9%D9%86-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%AF%D9%8A%D8%B1-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%A7%D9%85-%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AF%D9%88%D9%84%D8%A9-(1)

[11] Wissam Adnan al-Hassan was a brigadier general at the Lebanese Internal Security Forces and the head of its intelligence-oriented Information Branch. Seen as a leading Sunni figure in Lebanon, he was also a key player in the opposition March 14 alliance without having a political position.

Leave a comment