بقلم: عصام خوري
نيسان/ ابريل ٢٠٢٣، المركز التشيكي السلوفاكي للدراسات المشرقية
سعى النظام السوري منذ اندلاع الثورة السورية إلى لصق الكثير من الانتهاكات التي اقترفها بحق المدنيين على تنظيم الدولة الإسلامية، فقد أصبح هذا التنظيم بمثابة ماركة تستقطب عموم الظواهر اللاإنسانية، وكان المجتمع الدولي جاهزا لتلقي أي انتقاد تجاه هذا التنظيم الإرهابي، دون التدقيق والتعمق بتلك الانتهاكات، بسبب الخطر الذي سببه على الأمن القومي لتلك الدول
ولعل آخر تلك الانتهاكات، مقتل ٥٣ شخصية في منطقة السخنة[1] في البادية السورية يوم 17 شباط/ فبراير 2023، فقد أعلنت وكالة الانباء السورية هذا النبأ على صفحة موقعها الرسمي[2]، مبينه أن تنظيم داعش الإرهابي قتل 53 من جامعي مادة الفطر (الكمأ[3]) بطلقات نارية في الرأس، وأحرق سياراتهم
بالتأكيد بعض الخلايا النائمة لتنظيم داعش ما تزال فاعله في منطقة البادية السورية[4]، وتحديدا في المنطقة المجاورة للسلمية[5] وتدمر[6]، ولكن هذه الخلايا لم تصطدم مع عشيرة بني خالد التي تنتشر في منطقتي (مخيم الركبان، وبلدة السخنة) من البادية السورية، على العكس مقاتلي الدولة الإسلامية ينظرون لعشيرة بني خالد وغيرها من عشائر البادية السورية، على أنهم جماعة بشرية منهكة الحقوق بفعل هيمنة لواء فاطمين[7] المدعوم من الحرس الثوري الإيراني على مناطقهم
وفعليا تركزت عمليات تنظيم داعش عندما كان في أوج قوته، ضد النظام السوري في مناطق السلمية- تدمر، وفي منطقة حقول الشاعر التي تحتوي على حقول الغاز السوري، ففي تلك المناطق، تتواجد قطع عسكرية للجيش السوري، التي يستثمرها تنظيم داعش في تعزيز قدراته العسكرية بعد سرقتها، أما بعد انهيار تنظيم داعش وقتل أبرز قياداته، باتت عمليات داعش نادرة جدا، وتقتصر على مداهمة لبعض عناصر الجيش العائدين من مناطق دير الزور لدمشق، بغرض تخليصهم على ذخائرهم وأسلحتهم الفردية
لذا احتمال قتل داعش لناس فقراء، مهتمين بجمع منتج الكمأ الزراعي، بغية بيعه في أسواق حمص بمبلغ متواضع، هو أمر مستبعد جدا. وفي حال كانت المسلحين لصوصا يدعون أنهم موالين لداعش، فلماذا سيقتلون أناسا عزّل؟ بينما بإمكانهم تجريدهم من مادة الكمأ، خاصة وأن سعر طلقات الرصاص أعلى من سعر الكمأ
أيضا إن كانوا لصوصا، فلماذا سيحرقون سيارات جامعي الكمأ، حيث كان بإمكانهم استخدام تلك السيارات، أو تفكيكها، وبيعها في الأسواق كقطع غيار، وبالتأكيد سعر تلك السيارات هو أعلى من سعر الكمأ
ومن ناحية تقنية، اعتاد تنظيم داعش على قتل خصومه العسكريين بالرصاص الحي خلال المعارك، أما المواطنين الفقراء العزّل، فعملية قتلهم مستبعدة جدا، فالفئات المتدينة السنية سواء أكانت راديكالية متطرفة أو حتى معتدلة، ترى في قتل المسلم للمسلم حراما، إلا إن كان خائنا، ولكن عموم أهالي قبيلة بني خالد معروفين بأنهم لا يناصرون النظام السوري، لذا أمر قتلهم من قبل داعش بتهمة الخيانة مستحيل، وإن كان هناك خيانة حقيقية فآلية العقاب وفق أعراف تنظيم الدولة الإسلامية هي قطع الرأس عن الجسم بسكين حاد، أو بالسيف، وهو ما لم يتم، مما يجعلنا ننفي تهمة قتل تنظيم الدولة الإسلامية لهؤلاء الفقراء من قبيلة بني خالد

وإذا تمعنا ببيان هذه العشيرة الصادر يوم ١٨ فبراير/ شباط ٢٠٢٣، نرى اتهاما مباشرا من قبلهم تجاه لواء فاطميون، حيث تم الإعلان من قبل عشيرة بني خالد عن مقتل ٧٥ مدنيا في تلك المجزرة، وليس ٥٣ شخصية كما ادعى النظام السوري، وبعد حصولنا على فيديو يوثق جثث الضحايا، تبين لنا أن عموم تلك الضحايا سقطوا بحالة قنص في الرأس، وهذا يدلل أنهم لم يتعرضوا لحالة تعنيف جسدية قبل عملية القتل، انما تم تهديدهم لهدف جمهم في مكان واحد، ومن ثم تم اعدامهم بالرصاص الحي، وتقنيا هذا الأسلوب يتقاطع وسلوك النظام السوري والمليشيات الإيرانية، كما حصل في مجزرة التضامن[8] التي تم توثيقها كجريمة حرب[9]
وقد اعتاد جامعي الكمأ، على بيع هذا المنتج لعناصر تابعين للفرقة الرابعة من الجيش السوري، بمبلغ ٨٠ ألف ليرة للكيلو غرام الواحد، مما يعني أن عناصر الفرقة الرابعة يحققون مربحبا ماليا يقارب المئة ألف ليرة سورية عن كل كيلو غرام واحد، بدون أي جهد أو تعب، لذا هم ليسوا يمضطرين لقتل هؤلاء الفقراء، مما يعني أن لواء فاطمين هو أكثر فئة متهمة بعملية القتل، لعدة أسباب من أبرزها
الأسلحة الإيرانية: منطقة السخنة في البادية السورية، هي منطقة تمركز للواء فاطميون الممول من الحرس الثوري الإيراني، وتمتاز منطقة السخنة بوجود المغاور العديدة في تضاريسها، وقد حفر مقاتلي لواء فاطميون في تلك المنطقة العديد من الأنفاق، لتكون أهم النقاط الأمنية الممتدة بين محافظة دير الزور وحمص، كما نشر العديد من الألغام، في مناطق نعتقد أنها مراكز لتخزين السلاح المهرب من إيران نحو سوريا، عبر طريق العراق البري. وعادة تنمو الكمأ عند أطراف المغارات لأنها تحتاج للظل، لذا قد يكون سبب اغتيال جامعي الكمأ، أنهم اقتربوا من تلك المغاوِر، مما جعلهم على دراية بمواقع تخزين السلاح الإيرانية داخل سوريا
التطرف الديني: لواء فاطميون، متطرف في أفكاره ضد السنة، وقد استخدمه الشيعة الإيرانيين كأداة متقدمة لهم في أفغانستان للدفاع عن الشيعة الأفغان، لذا هم شديدي التطرف تجاه الفئات السنية، خاصة الفقيرة منهم، والتي لا تحظى بدعم إعلامي، مما يجعل عملية التصفية البشرية لأبناء عشيرة بني خالد المعارضين للنظام السوري، أمرا مبررا دينيا وأمنيا، خاصة وأنهم على تماس دائم معهم بحكم الموقع الجغرافي
الاستثمار في داعش: المهمة الكبرى للتحالف الدولي المناهض للإرهاب، المتمركز في المنطقة 55 أو قاعدة التنف، هي القضاء على تنظيم الدولة الإسلامية، أما المهمة الكبرى لدى الإسرائيليين هي قطع جسر الإمداد البري العسكري من طهران نحو سوريا، لذا مليشيا فاطمين هي فئة مستهدفه، كما هي باقي التنظيمات الراديكالية الشيعية الممولة من الحرس الثوري الإيراني
لذا إن تم القضاء على خلايا تنظيم داعش الإرهابية، قد تتحول أولية التحالف الدولي المناهض للإرهاب للتعاون مع الإسرائيليين للقضاء المليشيات الشيعية، من هنا قد يسعى لواء فاطميون للقيام بعمليات إرهابية، ولصقها بتنظيم الدولة الإسلامية، بغية أن يؤخر عملية تصفيته من الأميركيين والإسرائيليين
الأسباب الثلاث السابقة، من الممكن أن تكون منفردة أو مجتمعة دافعا لنا، كي نعزز تحققنا من أية عمليات ينسبها الإعلام لتنظيم الدولة الإسلامية، فالمستفيد من هذه العمليات ليس الدولة الإسلامية وحسب، بل هناك قوة إقليمية من أبرزها طهران، بالإضافة للنظام السوري الذي يسعى لتصوير نفسه كفريق سياسيا غير راديكالي متطرف رغم أنه متسبب بجرائم حرب وإبادة جماعية، تفوق بحجمها جرائم الجماعات الراديكالية المتطرفة
[1] Al-Sukhnah is a town in eastern Syria under the administration of the Homs Governorate, located east of Homs in the Syrian Desert. Nearby localities include Mayadin and al-Asharah to the east, al-Taybah and Raqqa to the north, Salamieh to the west, and Arak and Palmyra to the southwest.
[2] https://sana.sy/?p=1842964
[3] Terfeziaceae
[4] The Syrian Desert, also known as the North Arabian Desert, the Jordanian Steppe, or the Badiya, is a region of desert, semi-desert, and steppe covering 500,000 square kilometers of the Middle East, including parts of southern Syria, eastern Jordan, northern Saudi Arabia, and western Iraq.
[5] Salamieh is a city and district in western Syria, in the Hama Governorate. It is located 33 kilometers southeast of Hama, and 45 kilometers northeast of Homs.
[6] Palmyra is an ancient city in present-day Homs Governorate, Syria. Archaeological finds date back to the Neolithic period, and documents first mention the city in the early second millennium BC.
[7] Liwa Fatemiyoun, literally “Fatimid Banner”, also known as Fatemiyoun Division or Fatemiyoun Brigade, is an Afghan Shia militia formed in 2014 to fight in Syria on the side of the Syrian government.
[8] https://www.youtube.com/watch?v=Qbc3j_0Q_i8
[9] https://www.theguardian.com/world/2022/apr/27/massacre-in-tadamon-how-two-academics-hunted-down-a-syrian-war-criminal