بقلم: عصام خوري
المعهد التشيكي السلوفاكي للدراسات الشرق أوسطية
سبقت زيارة رئيس هيئة الأركان المشتركة في الجيش الأمريكي، الجنرال مارك ميلي[1]، يوم 4 آذار/ مارس 2023، لقاعدة أمريكية في سوريا، جلسة تصويت الكونغرس يوم 8 آذار/ مارس 2023، على مشروع قرار صاغه النائب الجمهوري، ماثيو غايتز[2] لهدف سحب القوات الأميركية من سوريا، ولربما ساهمت تلك الزيارة في إفشال هذا المشروع حيث عارضه 321 نائبا، بينما نال رضى 103 نائبا، في حين تجاهله 11 نائبا[3].
الوجود الأميركي في سوريا كان مصدر نقاش معمق في الأروقة الدبلوماسية الأميركية، خاصة بعد إغلاق “غرفة الموك العسكرية” المؤازرة لقوات المعارضة السورية في مناطق الجنوب السوري بداية شهر ديسمبر/ كانون الأول 2017[4]، ومن ثم تصريح الرئيس ترامب المثير للجدل بخصوص ضرورة سحب القوات الأميركية من الشمال الشرقي السوري يوم 18 ديسمبر/كانون الأول 2018، الذي ما لبث وأن تراجع عنه، ليصرح البيت الأبيض يوم 25 فبراير/شباط 2019 عن نية واشنطن إبقاء مجموعة صغيرة لحفظ السلام مكونة من 200 جندي أميركي في سوريا لفترة من الوقت.
مناطق الانتشار الأميركية
تتواجد القواعد العسكرية الأميركي في منطقتين رئيسيتين هما الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، ومنطقة التنف، التي تسمى أيضا المنطقة 55. يركز الاعلام على الوجود الأميركي في منطقة الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا، بينما يتجاهل منطقة التنف، والسبب الرئيسي في ذلك
- الخلافات التركية- الكردية المستمرة، والتهديد التركي باجتياح منطقة الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا
- وجود ثروات باطنية وزراعية مهمة في مناطق الشمال الشرقي
- وجود إدارة مؤسساتية أكثر نجاحا من مناطق النظام السوري
- وجود امتداد قومي كردي بين اقليم كردستان العراق ومناطق شمال شرق سوريا
- وجود تنافس قومي عربي-كردي في تلك المنطقة.
- حدوث اشتباكات مسلحة متكررة بين قوات قسد والجيش الوطني المدعوم من أنقرة
- وجود مراكز اعتقال لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية
- وجود عدد كبير لقوات سوريا الديموقراطية مما يجعلها قوة منافسة للجيش السوري
- وجود تنافس أميركي-روسي على هذه المنطقة
لا معلومات دقيقة عن الوجود العسكري الأميركي في قاعدة التنف التي تتواجد فيها قوات التحالف الدولي، ولكنه يقارب 200 جندي أميركي، مع عدد غير معروف من الجنود البريطانيين. وفعليا المنطقة 55 التي تتواجد فيها قاعدة التنف، لا تمتلك أية أسباب تجعلها مغرية للإعلام، فهي منطقة قاحلة في البادية السورية، وتقطنها بضع قبائل عربية تم إهمالها من النظام السوري لعقود، وللأسف لم تحصل تلك المنطقة على احتضان أممي، أو من قوات التحالف الدولي لتساعد المدنيين المقيمين في منطقة الركبان، مما جعل مخيم الركبان أحد أسوء مخيمات اللجوء السورية من حيث تقديم الخدمات لقاطنيه
فقوات التحالف الدولية غير ملزمة قانونيا بالدعم الاغاثي لقاطني المنطقة 55، لأنها مكلفة بملف مكافحة الإرهاب، مما جعل مهمتها الرئيسية مرتكزة على تدريب جيش سوريا الحرة، ليكون الكتلة العسكرية المتحركة بريا لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية الإرهابية. وفعليا جيش سوريا الحرة، تنظيم عسكري صغير، كان اسمه السابق “جيش مغاوير الثورة” ويجمع ما يقارب 500 مقاتل من نازحي محافظات دير الزور وريف دمشق وحمص ودرعا، وجرى تأسيسه عام 2014 على يد العقيد مهند الطلاع، وفي العام 2015 انضم له عدة تشكيلات عسكرية صغيرة من منطقة البادية وريف حمص، لعل أبرزها ” لواء شهداء القريتين” الذي يقوده النقيب محمد فريد القاسم[5]، عام 2022 تمت اقاله الطلاع من قيادة مغاوير الثورة، وكلف القاسم بقيادة ما بات يسمىجيش سوريا الحرة

ويلاحظ على جيش سوريا الحرة، سرية العمل، حيث لا تظهر أسماء القادة للإعلام، وبالتأكيد هذا التوجه مدعوم من قبل قوات التحالف الدولي، التي لا ترغب بنشر أية معلومات تبرز روابطها مع القادة الميدانيين.
وحده النقيب محمد فريد القاسم يظهر كشخصية مركزية، في حين تدار المعابر من قبل شخصيات مدنية لها تنسيقها مع جيش سوريا الحرة
النشاطات العسكرية لجيش سوريا الحرة محصورة بتوجهات التحالف المعني بمحاربة داعش، مما جعل هذا الجيش بعيد كل البعد عن محاربة النظام السوري، وقد يكون خصمه الثاني بعد تنظيم داعش الإرهابي، هو المليشيات الشيعية المدعومة من الحرس الثوري الإيراني، ولكنه ملتزم بعدم الاشتباك معها، ففي شباط/فبراير 2023 تم قتل عدد من المدنيين السوريين العاملين على جمع الكمأ في البادية السورية، ورغم الاتهام الواضح من الأهالي للواء فاطميين المدعوم من الحرس الثوري الإيراني في قتل أبنائهم، إلا أن جيش سوريا الحرة، لم يشتبك مع هذا اللواء. أيضا تعرضت قاعدة التنف لعدة صواريخ مصدرها مليشيات شيعية مدعومة من طهران، ولكن جيش سوريا الحرة لم يبادر لرد عسكري بري، بل جاء الرد عبر طلعات جوية نفذها طيران التحالف الدولي.
أهمية المنطقة 55
سميت هذه المنطقة بهذا الاسم لأنها تحيط بقاعدة التنف مسافة 55 ميل، وهي مسافة كافية لعدم وصول الصواريخ المحمولة على الكتف. تكمن أهمية قاعدة التنف التي اعتمدتها قوات التحالف الدولي في العام 2016، بأنها متموضعة على الحدود العراقية-الأردنية- السورية، مما يمكنها من رصد عموم الأليات القادمة من العراق نحو سوريا، وبالتأكيد ساهم هذا الأمر في تقليص الدعم اللوجستي لتنظيم الدولة الإرهابي بين البلدين.
أيضا ساهمت هذه القاعدة العسكرية في رصد شبكة الإمدادات العسكرية الإيرانية لميليشياتها عبر البر، مما تسبب بتدمير العديد منها عبر غارات نفذها الطيران الإسرائيلي الملتزم بمشروع وقف التمدد الإيراني في سوريا.
من هنا يصور الاعلام الإيراني هذه القاعدة بأنها، قاعدة استخباراتية متقدمة لإسرائيل قرب محافظة الأنبار العراقية، في حين يصرّ الجانب الأميركي على تصويرها كقاعدة مهتمة حصرا بمكافحة تنظيم الدولة الإسلامية.
زيارة رئيس الأركان الأميركي لسوريا، بينت عن التزام الأميركيين بتجفيف مصادر الإرهاب، وهذا يتطلب زيادة في عدد الجنود الأميركيين، وتنويع في خبراتهم، لهدف تشكيل فريق عسكري سوري منسجم وقادر على إدارة المعارك ضد الخلايا المتطرفة.
وهذا الأمر برئينا، لا يمكن أن ينجح إلا عبر تشكيل تحالف ناجح بين “جيش سوريا الحرة” و”قوات سوريا الديموقراطية”. فالوحدات العسكرية العربية في قوات سوريا الديموقراطية، ليست على وفاق حقيقي مع القيادات الكردية العسكرية، كما أن قسم من مقاتلي العشائر العربية المنطوين في قوات سوريا الديموقراطية مرتبطين بصلات قرابة مع مقاتلين منضمين لقوات الجيش الوطني المدعوم من تركيا، مما يخفض من ولائهم لمشروع الإدارة الذاتية الديموقراطية
من هنا قد يكون الخيار الأفضل للأميركيين ربط الجناح العسكري العربي المنطوي في قوات سوريا الديموقراطية بجيش سوريا الحرة، وهذا بالتأكيد يتطلب وجود جسر بري بين المنطقتين، وهذا ما لن تسمح به طهران، التي نشرت ميليشياتها في مناطق البوكمال والميادين، من هنا قد يلعب الطيران الإسرائيلي دورا ممهدا في تدمير القواعد الإيرانية في تلك المنطقة، على أن تبادر الوحدات العربية بملأ الفراغ، وبالتأكيد هذا المشروع العسكري فيه مصلحة لعدة أطراف من أبرزها
المصلحة الإسرائيلية
سيطرة المعارضة السورية، ستعني وجود فريق عربي ملتزم بالقرارات الأميركية، وبنفس الوقت ملتزم بمنع التوغل الإيراني في سوريا، ووصول الأسلحة لحزب الله اللبناني، وهذا تماما ما تريده تل أبيب، وهو بالتأكيد يقلص من حجم النقاقات الرصدية التي تقوم بها الاستخبارات الاسرائيلية
المصلحة العراقية
عانى العراق طويلا من عدم قدرته على ضبط الحدود العراقية-السورية، وقدم رسائل احتجاج متنوعة للحكومة السورية بهذا الشأن، ولكن الجانب السوري لم يكن متعاونا، لا بل على العكس ساهم بتمرير الإرهابين للعراق. لذا وجود قوات عربية ملتزمة بقرارات مكافحة الإرهاب، ومراقبة من قبل التحالف الدولي لمناهضة الإرهاب هو مفيد جدا لأمن العراق
مكافحة الإرهاب
النزاع الشيعي-السني ساهم بشكل كبير في تعزيز الوجود المتطرف للجماعات السنية، لذا وجود فريق عربي سني عسكري ملتزم بمكافحة الإرهاب على الحدود السورية-العراقية، سيقضي على أية حجة تبتدعها الجماعات المتطرفة السنية في حشد المؤيدين لها، كما سيعني زيادة المتطوعين السنّة في مشروع مكافحة الفئات المتطرفة السنية
مصلحة عربية
العديد من الحكومات العربية ذات الغالبية السنية تشعر بقلق من مشروع ولاية الفقه، ومساعي طهران لنشر التشيع كوسيلة للسيطرة على الحكومات العربية، كما فعلت في العراق، لبنان، سوريا، واليمن، لذا وجود جدار عربي سني غير متطرف سيكون عامل ردع لجسر الإمداد الشيعي المتطرف بين العراق وسوريا
مصلحة السوريين
يشعر السنة السوريين بالقلق على مصيرهم، خاصة مع تنامي الدعم الدولي للطرف الكردي في الشمالي الشرقي لسوريا، وبدأ عودة العلاقات بين النظام السوري وعدد من الدول العربية، وغياب الحكم الرشيد في المناطق السنية المدعومة من الأتراك، لذا وجود منطقة عربية سنية خاضعة إداريا للتحالف الدولي سيعني فرصة لتنمية تلك المنطقة، وتحويلها لخط دفاع عربي ضد التوغل الفارسي في سوريا، وهذا الدور سيدفع بالدول العربية لإنفاق الكثير من الأموال مما يساهم في تنمية وتطوير تلك المنطقة
مشروعية الوجود الأميركي في سوريا
الوجود العسكري في سوريا غير مبرر قانونيا، لأن الحكومة السورية لم تقدم التماسا للأميركيين بطلب المساعدة في ملف مكافحة الإرهاب، وكما شرحنا سابقا، الوجود الأميركي هام جدا لحلفاء الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط، كما هو مهم لأمنها القومي الذي تعرض لإرهاب كبير في 11 سبتمبر/أيلول 2021. لذا اعتمدت الولايات المتحدة في وجودها العسكري داخل سوريا على عقيدة “الدفاع عن النفس الاستباقي”[6] والتي تفترض أن الدولة الأميركية مستهدفه، ومضطرة للدفاع عن مصالحها، حتى لو لم تسمح لها دولة عضو في الأمم المتحدة أن تستخدم أراضيها، ولكنها مضطرة لانتهاك سيادة تلك الأراضي لأن الدولة العضو “غير قادرة أو راغبة” في التصدي لتلك الجماعة.
النظام السوري ينتقد هذا الطرح، ويطالب بدعمه عسكريا وماليا كي يكافح الإرهاب، وهذا بالحقيقة متخالف مع القانون الأميركي، لأن الحكومة السورية والكثير من جنرالاتها، بالإضافة لرئيسها خاضعين لعقوبات من الخزانة الأميركية، من هنا لا تستطيع الحكومة الأميركية التعاون مع هذه النظام، لذا عليها إيجاد بدائل عنه، وبما أن الحكومة الأميركية غير مخولة قانونيا على قلب النظام الحاكم في دمشق، ستغدو كسلطة احتلال رغم نيتها مكافحة الإرهاب
الجانب الوحيد الذي يسمح للولايات المتحدة قانونيا التواجد العسكري في سوريا استنادا لعقيدة الدفاع عن النفس الاستباقية، المكفولة بالمواد 51[7] والمادة [8]50 من ميثاق الأمم المتحدة، أن تظهر سلطة تمثيلية عن السوريين معترف دوليا بها، وتطالب تلك السلطة من الولايات المتحدة الحماية العسكرية، أو الدعم العسكري.
واقعيا، مناطق الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا غير مؤهلة لطلب ذلك الدعم، لأنها ما تزال لليوم جزء من الحكومة السورية، أما إن توسعت مساحة تلك المنطقة لتضم مناطق جغرافية أوسع، ولدى الاتلاف السوري لقوى المعارضة سلطة فيها، فهذا سيسمح قانونيا للشعب السوري بأن يعطي للولايات المتحدة الأميركية تفويضا بالحماية والوجود في مناطق انتشار المعارضة، لأن الاتلاف السوري الوطني جهة تمثيلية عن الشعب السوري باعتراف 114 دولة منذ العام 2012
من هنا على قوات التحالف وعلى رأسهم الولايات المتحدة السعي الجدي لخلق قواسم عمل عسكرية توحد بين مناطق الإدارة الذاتية لشمال شرق سوريا والمناطق التابعة إداريا للتحالف الوطني لقوى الثورة السورية، وهذا الأمر شديد الصعوبة بظل حكم الرئيس أردوغان الذي يكن أشد العداء للقوى الكردية في مناطق الإدارة الذاتية، لذا قد يلعب التحالف بين قوات سوريا الديموقراطية وجيش سوريا الحرة بادرة أولى، قد تتبعها خطوات أوسع تجاه مناطق درع الفرات، ونبع السلام إن تغيير السلوك التركي بعد الانتخابات التركية القادمة قريبا.
[1] The Wall Street Journal, By Gordon Lubold, March 04, 2023: https://www.wsj.com/articles/gen-mark-milley-in-syria-to-support-u-s-troops-676df9f0?fbclid=IwAR22JOPOhyqAiuZ7LoIKah9_IRH9kP-Iq7iRunH8OaKI3aq1ateYUoQJV1E
[2] Matthew Louis Gaetz is an American lawyer and politician who has served as the U.S. representative for Florida’s 1st congressional district since 2017. The district includes portions of Walton County and all of Escambia, Okaloosa, and Santa Rosa counties.
[3] House, Directing the President, pursuant to section 5(c) of the War Powers Resolution, to remove the United States Armed Forces from Syria, 8-Mar-2023, 5:56 PM: https://clerk.house.gov/evs/2023/roll136.xml
[4] Amman Net, Aug 08/2017: https://ammannet.net/%D8%AA%D9%82%D8%A7%D8%B1%D9%8A%D8%B1/30-%D9%83%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A3%D9%88%D9%84-%D9%85%D9%88%D8%B9%D8%AF-%D8%A5%D8%BA%D9%84%D8%A7%D9%82-%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%88%D9%83-%D9%81%D9%8A-%D8%B9%D9%85%D8%A7%D9%86
[5] @ColonelMohamedF
[6] “Unable or unwilling” doctrine or the “anticipatory self-defense” doctrine.
[7] Article 51
Nothing in the present Charter shall impair the inherent right of individual or collective self-defense if an armed attack occurs against a Member of the United Nations until the Security Council has taken measures necessary to maintain international peace and security. Measures taken by Members in the exercise of this right of self-defense shall be immediately reported to the Security Council and shall not in any way affect the authority and responsibility of the Security Council under the present Charter to take at any time such action as it deems necessary in order to maintain or restore international peace and security.
[8] Article 50
If preventive or enforcement measures against any state are taken by the Security Council, any other state, whether a Member of the United Nations or not, which finds itself confronted with special economic problems arising from the carrying out of those measures shall have the right to consult the Security Council with regard to a solution of those problems.