هل يُغير الإخوان المسلمين ثوبهم؟

إلى العقلاء وذوي الرأي والبصيرة من الإخوان المسلمين، عليكم تغيير عقلية الإخوان ومناهجهم، وليس قيادتهم فقط

بوست أحمد منصور على صغحة الفيسبوك الكلام للصحفي المصري أحمد منصور “معد ومذيع برنامجي (بلا حدود، وشاهد على العصر) في قناة الجزيرة” في صفحته الشخصية على الفيسبوك يوم ٦ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٥، وقد جمع مقاله المنتقد لهيكلية عمل جماعة الاخوان المسلمين في مصر أكثر من ٢١ ألف اعجاب، وأكثر من ٥ الاف مشاركة و٤٢٠٠ مناقشة، لأنه حمل في جعبته بضع عبارات تلغي قدسية قيادات هذه الحركة عند أنصارها، حيث يقول:

هذه العبارة لم تأتي من شخصية معادية لحركات الاسلام السياسي بل جاءت من الصحفي المصري محمد منصور الذي قابل العديد من قيادات الحراك السياسي الاسلامية الجهادية والمعتدلة، ولم يكتف بهذا القدر في تغريدته بل أضاف (منح شعب مصر الثقة للإخوان والتف حولهم في خمس استحقاقات لكنهم فشلوا فشلا تاريخيا ذريعا طوال عام كامل أمام شرذمة من شذاذ الآفاق واللصوص وسوف يسألون أمام الله والتاريخ عن هذا الإخفاق). الامر لم يتوقف عند منصور بل نراه أيضا عند الصحفي في قناة الجزيرة المعروفة بدعمها لحركات الاسلام السياسية ، حيث انتقد كريشان أداء الجماعة في تونس بمقاله في جريدة القدس يوم ١١ فبراير/ شباط ٢٠٢٠ عندما كتب: لم أعد أفهم حركة «النهضة» الاسلامية التي أرهقت الناس بتقلباتها الكثيرة ونزقها المفرط، حركة أجهضت عمليا تطلعات الكثيرين في حياة ديموقراطية حقيقية لأنها لم تضع نصب عينيها سوى سلامتها هي واستفادتها من أجهزة الحكم بعيداً عن أي شيء له علاقة بمصالح الناس الحقيقية. أما زعيم الحركة راشد الغنوشي فلم تكن مواقفه المتناقضة وتصرفاته سوى تعميق لهذا الانطباع العام الغالب

ان حركات الإسلام السياسي وتحديدا الاخوان المسلمين اثبتت عجزها عن بناء منظومة عمل وطنية تدفع البلاد التي حكمتها نحو معايير الحكم الرشيد والديموقراطية والعدالة، وهذا الامر مفهوم ومبرر لدى القوى العلمانية في العالم العربي، ولكنه غير مفهوم للعامة البسيطة التي تندفع بغيرتها للدين لان تتبع رجال دين جاهله او رجال امتهنوا الدين كحرفة هدفها الاسترزاق المادي وليس محبة منهم بالدين. كما ان الحكومات العربية لم تشترط في تعينها لائمة المساجد ان يستحصلوا في البداية على شهادة جامعية، تخولهم المحاكمة العقلية لما يفتون قبل ان يصرحوا بها للعامة.  فنتج عن ذلك فتاوى غريبة وعجيبة من بعض الائمة، دفعت العالم الغربي للنظر للعربي بنظره دونية

وزاد في هذا الامر بروز جماعات إرهابية تكفر الأخير الغير مسلم مثل تنظيم القاعدة الذي اعتمد على نظرية “الولاء والبراء” التي أطلقها الشيخ أسامة بن لادن مؤسس تنظيم القاعدة

واللافت للنظر ان الكثير من اتباع حركة الاخوان المسلمين انضموا لهذه الحركات الإرهابية، مثل محمد الظواهري الذي بات اليوم زعيما للقاعدة بعد مقتل بن لادن، والظواهري كان فخورا بانتسابه للجماعة الجهادية في مصر فقد كان مرشده الفكري سيد قطب “عضو هيئة ارشاد جماعة الاخوان المسلمين في مصر، ورئيسا لتحرير جريدة الاخوان المسلمين

تفسير في الولاء والبراء التي تحدث عنها الشيخ ابن تيمية

وعند اندلاع الربيع العربي في عدد من الدول العربية “سوريا، مصر، ليبيا، تونس”، كانت حركة الاخوان المسلمين أكثر الحركات السياسية تأخرا بالاندماج بحركة الشارع المحتجة ضد الحكومات، وعند انتصار الشارع على الحكومات حاولت جماعة الاخوان المسلمين إبراز نفسها بانها الطرف الأكثر تنظيما بين عموم الحركات المعارضة، وبما ان هذه الحركة تمتلك موارد مالية دائمة من دولة قطر الثرية، فقد كان لها الحظوة بان تسوق نفسها كطرف رئيسي في لوحة الحكم القادمة بعد انهيار الحكومات العسكرية الديكتاتورية في تلك البلدان

ولتتهرب من النظرة الدونية التي يحملها الغرب نحو حركات الإسلام السياسي، باتت تروج عبر ماكينتها الإعلامية بان التجربة التركية ناجحة، وتركيا عضو في الناتو، وهي دولة مسلمة والحزب الحاكم فيها “حزب العدالة والتنمية” هو حزب إسلامي، وهو جزء من حركة الاخوان المسلمين العالمية، لذا لا داعي لخوف المجتمع الدولي من وصول الأحزاب الإسلامية للسلطة، ومباشرة أعلن تأسيس عن عدة أحزاب إسلامية جديدة في عدة دول عربية والبعض منها حمل اسم “حزب العدالة والتنمية” كما في المغرب، أما في سوريا فكان حزب وعد

القوى اليسارية والشخصيات اللبرالية الغير منتسبة لحركات الإسلام السياسي، لم تمانع مشاركة الاخوان المسلمين واي حركة إسلامية أخرى في تحالفات القوى المعارضة للأحزاب الحاكمة السابقة، ففي مصر دعم اليساريين وحزب الوفد ممثل الاخوان المسلمين ليكون رئيسا للجمهورية المصرية، الا ان جامعة الاخوان حاولت السيطرة على عموم مفاصل الدولة، واصبح مرسي اضحوكة من الاعلام المصري في بعض أقواله وممارساته، مما ابرز فشل هذه الجماعة سياسيا واداريا في الشأن الداخلي، وعلى الصعيد الإقليمي عزز مرسي علاقات مصر بالجمهورية الإسلامية الإيرانية، الدولة التي أرسلت الحرس الثوري الإيراني لمساندة نظام بشار الأسد الذي قتل مئات الالاف من السوريين المسلمين السنّة، والغريب ان مرسي حاول احتضان المعارضة السورية ودعمها سياسيا بذات الوقت، في ظن منه ان الرابح بالحرب السورية من المعارضين سيكون جماعة الاخوان المسلمين السورية المدعومة من تركيا، وحركة الاخوان المسلمين العالمية هي حركة إسلامية تعتمد الشريعة الإسلامية أساسا في حكمها وهذا الامر مطبق في الدولة الإسلامية في ايران، ولكن للإيرانيين حسابات أخرى وقد اعلنوا عنها بصراحة في مشروع نشر ولاية الفقيه في الدول الإسلامية، هذا الامر جعل مرسي مرفوض من عموم الدول العربية المهددة من التمدد الإيراني، ودفع تلك الدول لدعم الانقلاب ضد مرسي، ووصول العسكر من جديد لسدة الحكم

  وعلى الصعيد الشعبي سبب ارباك تعاطي اخوان مصر من القضايا الإقليمية حالة قلق عند الجمهور المسلم المتدين، وهذا ما أشار له الصحفي منصور، فجماعة الاخوان المسلمين تفتقد لاستراتيجية سياسية تتناسب والحاجات الوطنية لجمهورها

أيضا دولة تركيا التي كان الاخوان المسلمين يتمسحون بها كشكل للدولة القادمة تحت حكمهم في العالم العربي، هي أساسا دولة غير إسلامية لأنها اعتمدت في دستورها على فصل الدين عن الدولة، بينما عموم الأحزاب الإسلامية التي تستمد شرعيتها من حركة الاخوان المسلمين العالمية ترفض في أدبياتها مفهوم فصل الدين عن الدولة او الدولة العلمانية، وتحاول الاستعاضة عن هذا المصطلح بمصطلح جديد هو دولة المواطنة والعدالة

وعمليا هذان المفهومان لا يمكن تحقيقهما بالشريعة الإسلامية ان تم ادماج الشريعة بدساتير الدولة، فالعدل كمثال غير موجود بين المراة والرجل في الشريعة الإسلامية، فالمراة لا يمكنها الحصول على نصيب متكافئ مع الرجل في قضايا الارث، أيضا بقضايا الزواج لا يمكن للمرأة ان تحصل على أربعة ازواج كما هو مشرع للرجل. لاحظ سورة النساء الاية الثالثة

وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة أو ما ملكت أيمانكم ذلك أدنى ألا تعولوا

المواطنة، وهو مفهوم يلتزم بسواسية التعامل بين كل مكونات المجتمع الاثنية والدينية والعرقية، وهذا الامر يتناقض مع الآية رقم ١١٠ من سورة آل عمران: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ

وفعليا هذه الآية يقابلها في كل دين غير الإسلام ما يناظرها حول تفوق جماعة دينية على اخرى، مما يعطي شعورا لدى كل دين بانه يمتلك الخصوصية التي تجعلها القائد الأفضل للمجتمع، لذا عبارة “الإسلام هو الحل” التي يتشدق بها مناصري جماعة الاخوان المسلمين، هي عبارة مارستها سلطة الكنيسة زمان هيمنة البابوية على أوروبا، ولكن أوروبا وعموم المجتمعات الغربية استطاعت التملص من هيمنة الدين على الدولة، وبنت دساتير عصرية عززت المساواة بين عموم فئات المجتمع، ونتج عنها ثقافة حقوق الانسان التي تمثل عماد الدول الحديثة

والتطور الذي شهدته تركيا اتى من انتهاجها سياسة فصل الدين عن الدولة على يد الرئيس اتاتورك، أي ان هذا الإنجاز لم يأتي عبر حكومة العدالة والتنمية على العكس حكومة أردوغان الحالية تحاول التراجع عن مفاهيم الجمهورية التي ارساها اتاتورك عبر اسلمة بعض مؤسسات الدولة، وتبرير هذه الاسلمة ان الدولة التركية تعرضت لمحاولة انقلاب على يد جماعة فتح الله غولن، وعندما يظهر أي انتقاد لهذه السياسة، يتم اعتقال الصحفيين، لتغدو تركيا واحدة من أكثر البلاد انتهاكا للحريات الصحفية حسب تقرير لجنة حماية الصحفيين عام ٢٠٢٠

أمام هذه اللوحة من المعطيات، نعود لعنوان المقال: هل الاخوان قادرين على تغير ثوبهم؟

 أم لعل السؤال الأهم: هل يدرك الإخوان مفاهيم الدولة الحديثة العصرية، أم سيستمرون على نهجهم في تغافل أهمية التطور الاجتماعي والثقافي الذي أدى لتطور الغرب وتراجع العالم العربي؟   

Leave a Reply

Please log in using one of these methods to post your comment:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s