بقلم: عصام خوري
12/23/2009
أثمرت الدعوى بحق حزب المجتمع الديمقراطي في 8/12/2009 عن قرار من المحكمة الدستورية التركية يفيد بحظر نشاط هذا الحزب داخل الاراضي التركية. إلا أن هكذا قرار لن يطال مقار الحزب وحدها بل سيطال ما يقارب 220عضوا فيه، وهم اليوم بمناصب برلمانية ورؤساء مجالس محلية وبلديات.
والمستغرب في وقت اعلان هذا القرار تزامنه مع مساعي الحكومة التركية لاحتواء المشكل الكردي على أراضيها، فقبل شهر من هذا القرار جاء الوفد الاول من الحزب الام لحزب المجتمع الديموقراطي “حزب العمال الكردستاني”، من جبال قنديل إلى الاراضي التركية، واستقبله انصاره باحتفالات شعبية طويلة.
الصفعة لاردوغان:
تمثل المحكمة الدستورية التركية اعلى سلطة في البلاد، ويسيطر عليها التيار المحافظ القومي المخلص لعلمانية الدولة التي أرسى معالمها اتاتورك، ولطالما سعت هذه المحكمة لتقويض النشاط الكردي السياسي، لقناعتها بالرغبة الانفصالية للاكراد. لكنها بمبادرتها الجديدة هذه، تكون قد وجهت صفعة قاسية لسياسات رئيس حكومتها اردوغان وحزبه الاسلامي الساعي لمصالحة مع الاكراد، عبر تحقيق تنمية اجتماعية للمناطق الكردية في تركيا، وتحالفات سياسية مع قيادات كردية حتى عسكرية انفصالية منها بغية احتواؤهم ضمن اتلافه الحاكم.
فهذه المحكمة عزلت كل من البرلمانيان السيد احمد تركو رئيس هذا الجزب، والسيدة ايسال توغلو نائبته من منصبهما، مما دفع 19 برلماني من حزب المجتمع الديموقراطي أن يعلنوا عن رغبتهم من الانسحاب من البرلمان، وهذا الانسحاب في حال وافق عليه البرلمان سيسبب ازمة حقيقية في البلاد، وقد يدفع اردوغان لطلب الاعداد لانتخابات برلمانية مبكرة.
رؤساء البلديات والمجالس المحلية بدورهم من حزب المجتمع الديمقراطي في حال قرروا الانسحاب من اعمالهم فهذا سيجعل الخارطة الادارية في منطقة شرقي الاناضول بحالة تيه، تستوجب جملة تعينات اخرى.
طبعا اردوغان يدرك حجم هذا القرار، مما دفعه مباشرة للاعلان عن اسفه عن هذا القرار، فكثير من النواب التابعون للائحته الانتخابية هم نواب كرد، واظهاره التجاهل حول هذا قرار، قد يدفع نوابه الكرد للتمرد وانهاء تحالفهم مع حزبه الاسلامي، مما يؤكد ضروره حل البرلمان، وهذا الامر قد يهدد مسيره الحكومة التركية الساعية للعب دور اقليمي محوري في المنطقة.
أوجه حزب العمال الكردستاني:
بدأ الكرد الموالون لحزب العمال الكردستاني منذ عام 1990 بتأسيسِ أحزابٍ سياسية مُرخصة قانوناً في تركيا، ويعد حزب المجتمع الديمقراطي، الحزب الخامس في سلسلة الأحزاب الموالية للعمال الكردستاني الذي يواجه الحظر، فقد ابتدأ النشاط السياسي المرخص قانوناً وفاقاً لقانون الأحزاب التركي في 7 /10/1990، حين انشق 7 برلمانيين كورد عن الحزب الاشتراكي الديمقراطي الشعبي ليؤسسوا حزب العمل، ولكنه تعرض للإغلاق في 17/6/1993 ليعقبه الحزب الديمقراطي في 14/9/1993، متعرضا بدوره لظروف مشابهة للحزب الذي سبقه، وأغلق الحزب بقرار من المحكمة الدستورية في 16 /12/1994.
ليتأسس كبديل عنه حزب الديمقراطية للشعب، ولكن سرعان ما تعرض في13/3/2003 إلى الحل بغالبية أصوات قضاة المحكمة الدستورية، وفرض على قياديه حظر ممارسة النشاط السياسي، ليخلفه حزب الشعب الديمقراطي الذي حلّ نفسه خلال فترة مقاضاته من المحكمة الدستورية ذاتها، لينتقل أعضاءه إلى حزب المجتمع الديمقراطي الذي تأسس عام 2005 . [1]
طبعا قيادات حزب المجتمع الديموقراطي كانت تدرك هذه النهاية، مما دفعها لتأسيس حزبين سياسيين كرديين يكونان بديلا عن حزب المجتمع الديمقراطي، طبعا إشهارهما كاسمين جديدين لم يعلن للآن، لكن أوساط كردية مطلعة ترجح اعلانهما في الاشهر الاولى من العام القادم. ولمزيد من الحرص بادرت قيادة حزب المجتمع الديموقراطي في حزيران عام 2008 لتأسيس حزب السلام والديموقراطية في حزيران عام 2008، كحزب احتياطي في حال حظر نشاط المجتمع الديموقراطي. ويرجح انضمام البرلماني المستقل أوفوق أوراس، وهو زعيم سابق لأحد الأحزاب الماركسية إلى حزب السلام والديموقراطية، مما يقوي من حجم هذا الحزب ويجعله محافظا على مقاعده النيابية في حال حصلت انتخابات نيابيه مبكرة.
وهذا الأسلوب يدلل على عجز كل من قيادات المحكمة الدستورية والاكراد معا عن ايجاد حل منطقي للقضية الكردية في تركيا، فكلا الطرفين يناوران قانونيا لاقصاء بعضهما، ولا ندري حقيقة إن كان مسلسل اشهار أحزاب كردية أو منعها من العمل سيكون مسلسل السنوات القادمة ايضا.
الغوغائية في الشارع:
بعد الاعلان عن قرار حظر نشاط حزب المجتمع الديموقراطي، والذي يصنف بالحزب الرابع قوة وشعبية في تركيا. نزل الكثير من الاكراد إلى الشوارع، وخاصة في مدينة ديار بكر، ليعنوا فسادا في المرافق العامة والمحال والبنوك، طبعا هذا التصرف لم يبين عن قوة الاكراد شعبيا، انما بين على مدى التزامهم بالقرار السياسي لقياداتهم، فهذه القيادات ما لبثت وان طالبتهم بضبط النفس، فعاد الجميع إلى المنازل بعد ما بينوه من غضب واضح.
إن هذا الاسلوب الذي باتت تعتمده عموم الاحزاب الكردية في المنطقة “تركيا، سوريا، العراق، ايران” إنما يدلل على مدى الالتزام الحزبي للقاعدة الشعبية العريضة بالقرار السياسي العام، وهذا بحق هو أمر شديد الخصوصية عند الاحزاب الكردية، التي باتت قادرة على صناعة هوية خاصة بها.
وضع اردوغان:
مما لا شك به أن اردوغان في وضع محير حاليا وذلك نتيجة أمرين واضحين:
الاول (وضع مفرح): إن اردوغان لا يرغب في تنامي دور حزب المجتمع الديمقراطي، خاصة وأن الاخير بادر لجملة احتفالات في استقباله لوفد مقاتلي حزب العمال الكردستاني، وهذا الامر جعل من اردوغان شديد الاسف نتيجة مبادرات هذا الحزب التي تستفز المشاعر القومية التركية. حيث كان يخطط في استقباله لهذا الوفد أن يكسب الرأي العام الكردي ويضم جزء كبير منهم تحت لواء حزبه. لذا فإن امر حظر هذا الحزب سيؤدي كما هو متعارف لاعادة تشكيل هذا الحزب لكن عبر مرحلة زمنية طويلة “عام أو عامين” وهذا أمر قد يساعده على زيادة شعبية حزبه بين الاوساط الكردية نفسها، وخاصة المتدينة منها.
الثاني (وضع قلق): وخاصة أن سياسة المحكمة الدستورية ساعية كما هو واضح لافشال سياسات اردوغان، وقد تقوم في وقت قريب بقرار حظر حزبه إن تمادى في طروحاته الساعية لتقويض صلاحيات هذه المحكمة الدستورية. وهنا يراهن اردوغان على القرار الدولي الداعم له كحزب اسلامي معتدل، له دور كبير في تنسيق السياسات الغربية مع الحكومات الاسلامية والحركات الدينية التي تدعمها، لذا قد يضطر اردوغان لتخفيف لهجته الحادة تجاه اسرائيل، أو أن يقوم بدور المهاجم اعلاميا والخادم حقيقيا.
[1] تركيا : حزب المجتمع الديمقراطي (الكوردي) في مهب الحظر //مصطفى إسماعيل : ا ف ب 10/12/2009 //