بقلم: عصام خوري
11/10/2009
طالما احتار المراقبون في تحديد هوية وشكل الدعم المادي الذي يناله مقاتلي حزب العمال الكردستاني. فهذا الحزب ورغم كل آليات التضييق التي تمارسها الحكومة التركية لتقويض نشاطه استطاع التملص وفي أكثر من مرة مكبدا الأتراك الكثير من الخسائر العسكرية والمدنية وفي أكثر من موقع حيوي هام في تركيا.
بدورها الاحزاب الكردية في كردستان العراق “الطالبانية، البرزانية” تجد في مقاتلي هذا الحزب خطرا حقيقيا على شعبيتها في النطاق الكردي العراقي، فهذا الحزب هو الحزب الوحيد الذي لم يحيد عن أهدافه الرئيسية على عكس هذه الاخيرة، التي تناور في مصطلحاتها السياسية من أجل استمرار نفوذها في شكل الحكومة العراقية الجديدة بعد الاحتلال الاميركي لها.
هذه المعطيات بدلالاتها الكبيرة تجعل حزب العمال الكردستاني حزب غريب الدعم، فالقوى الدولية أيضا هي غير راضية عن اسلوبه “الولايات المتحدة، روسيا”، فتركيا اليوم تمثل الاعتدال الاسلامي في الشرق الاوسط وكل من اميركا وروسيا تشجعان هذه الحالة. لا بل تركيا وايران وسوريا تسعيان بمختلف الاساليب لاحتواء نشاط هذا الحزب المتنامي على أراضيهم، وبات التعاطي مع هذا الحزب عالميا كجزء من الحركة الارهابية العالمية، رغم قناعة الكرد بأن حركة الحزب هي حركة شعبية هدفها الارتقاء بالكرد وتحقيق مصيرهم في اطار دولة قومية جامعة للكرد.
الدعم الشعبي المالي:
إن كنت كرديا وتنتمي إلى أي حزب سياسي أو جهادي فأنت ملزم أخلاقيا بعدم رد طلب أخوك الكردي، والكل بحسب طاقته وإمكانياته. إن هذه العبارة بعمومية تعبيرها هي عبارة شديدة الواقعية بالنسبة لحزب العمال الكردستاني دونا عن كل الاحزاب الكردية الاخرى، فآلية هذا الحزب تعتمد على الخطوات التالية:
– المكتب السياسي للحزب يرشح شخصيات تقوم بعملية جمع التبرعات، ويتم هذا الامر بشكل شديد السرية في البداية، حيث يقوم هذا الفريق بعد تشكيلة بالتواصل مع بعض قيادات الحزب المعروفين محليا “عشائريا أو ممن لهم هيبة بين المناطق والقرى الكردية” وتوكل اليهم مهمة تشكيل فريق محلية تتعاون مع شخصية مجاهدة من الحزب في جمع التبرعات.
ماهي التبرعات:
يخطأ الكثير من المحللين في تخمين أن التبرعات محصورة فقط بالتبرعات المادية وحدها، فقد ابتكر هذا الحزب آلية غريبة في تحصيله للتبرعات المتنوعة الاشكال والاهداف.
1- التبرعات المادية:
وتكون الفئات المستهدفة فيها من ابناء الطبقة الوسطى من الكرد، وتتراوح التبرعات بين “10$-40$” عن كل اسرة في كل تبرع، وتخجل الكثير من العوائل التهرب من هذا الدفع، خاصة وإن كان اثنين من افراد الاسرة موظفين حكوميين، فهذا المبلغ هو مبلغ شديد التواضع خاصة وانه دوري الدفع “مرة كل ثلاث أو اربع اشهر”.
2- التبرعات السخية:
يدرك الكثير من المتنفذين ماليا من الكرد شعبية حزب العمال الكردستاني ومدى تأثيره على شرائح الشباب، لذا فإن الكثيرين يستغلون أموالهم للتأثير على الشخصيات المحلية لهذا الحزب، وخاصة خلال مناسبات الانتخابات “انتخابات الاحزاب نفسها، الانتخابات النيابية، انتخابات للإدارات المحلية”. كما أن بعض شيوخ العشائر العربية تدعم هذا الحزب سرا قبل الانتخابات النيابية، لضمان جزء من نسب التصويت لها.
3- التبرعات العينية:
إن كنت فقيرا فأنت قادر على التبرع بشكل أكثر فائدة من الاثرياء، المهم فقط أن تحمل في نفسك بذرة التبرع. إن هذه المقولة وعبر آلية تنفيذا هي ما تجعل هذا الحزب الاكثر شعبية بين عموم الاحزاب الكردية، فالفقر هو السمة العامة للمناطق الكردية وخاصة في تركيا والعراق وايران.
لذا فإن لجان جمع التبرعات تسأل الاسر الفقيرة في حال عدم قدرتها على دفع الاموال بشكل مباشر، أن تتبرع بجزء بسيط ورمزي من مونتها الشتوية الغذائية للمجاهدين الكرد على جبهات القتال، وفي كثير من الاحيان ترى بعض هذه الاسر تتبرع بجعبة بسيطة من الحنطة أو الارز أو الزيت، وبدورها هذه اللجان تقوم بفرزها لاحقا “كل صنف على حداً”، فتبيع الغير مناسب منها، وتحتفظ بالبقية مستغلة اياها كمونة غذائية مفيدة للمجاهدين المتربصين في جبال قنديل الوعرة.
امتنان اللجان المختصة بجمع التبرعات لأي فقير متبرع يجعل الاخير منتسبا لهذه الحزب بطريقة فطرية حتى وان لم يكن قادرا على تبعات هذا الانتساب، فالعامل النفسي يجعل هذه الاسر جزء لا يتجزأ من حركة الجهاد الكردية، وهذا يبدو بشكل شديد الوضوح من خلال الحديث الغيّري لاي كردي على واقع المجاهدين الكرد.
فطبيعة تقدير اللجان الكردية للفقراء أعلت من مكانة الفقراء اجتماعيا، حتى أن الكثير من أبناؤهم الشباب والطلبة في المدارس باتوا يرددون أقاويل غريبة ومبالغة بها “كأن جاء المقاتل الكردي المعروف يقرع منزلهم ويأخذ من والده مبلغا أو جعبة كبيرة من المعونة الغذائية، ويمدحهم مديحا كبيرا، لكنه خشي من المرور على منازل الجيران كي لا يكتشف أمر وجوده”، إن هذه المقولات والشائعات التي يرددها الصبية في المدارس تعطي مؤشرا نفسيا واستعدادا لهؤلاء الشباب للدخول في معترك السجال السياسي الكردي لاحقا، حتى وإن لم يكونوا مثقفين أو معدين إعدادا حزبيا رفيعا.
فالكثير من الصبية والشباب الفقراء يتطوعون في الاجنحة العسكرية الكردية، وينالون تدربيا نفسيا وعسكريا شديدا، كما أن الكثير من الفتيات يلتحقن بهذه المعسكرات ويساهمن في جبهات القتال جنبا الى جنب مع الذكور، مما يجعل الحزب في الجبهة بمثابة مجتمع قائم بذاته، وليس شكله كجماعة مسلحة معزولة في الجبال كما يحاول البعض تصويره.
ويبرز في ادارة التخطيط السياسي لادارات التمويل والتعبئة الشعبية الشخصية الحزبية المعروفة باسم “شنجيلو” ويرجح بان اسمه الحقيقي “محمد دار عبدي خليل، أو مصطفى دار عبدي خليل” وهو من مواليد منطقة عين عرب شمالي شرقي مدينة حلب، وهو في العقد الثالث من العمر، لكنه يمتاز بدراية عالية بالشأن الكردي والتوزع الكردي في المناطق السورية والعراقية بشكل خاص، يمتاز بذكاء وذاكرة حادة حسب آراء شخصيات تعرفه من منطقة عين عرب، وهو يتنقل باسماء مختلفة بين عدة بلدان لكن تمركزه الرئيسي عند الحدود العراقية التركية، مما يمكنه استخدام شبكات الاتصال التركية والسورية والعراقية معا، وهذا ما يجعله قادر على التنسيق الميداني بشكل بارع، ينتمي “شنجيلو” لأسرة ثرية نسبيا، لكنه غادر هذه الأسرة منذ ما يتجاوز الثماني سنوات، ولا يتواصل مع أهله الا هاتفيا وفي أوقات غير محددة، مستخدما أسماء مستعارة. الاستخبارات السورية وبشكل خاص فرع التجسس في ادارة امن الدولة تستدعي والده وأخوه دوريا للاستفسار عن أخيهم المطلوب امنيا، لكن هذا الفرع يعجز عن الوصول لاي معلومات مفيدة، خاصة وأن الوالد والاخ لا يعرفان بتحركات المطلوب، والذي بدوره لا يخبرهم بها.
قناة روج:
وهي المنبر الاعلامي لهذا الحزب، وكانت حتى وقت قريب المنبر الكردي الوحيد على الفضائيات، مما يجعلها قناة متابعة من عموم الاكراد، وهي تعتمد على شبكة مراسلين كرد متطوعين في المناطق الكردية المختلفة، وترفض ادارة القناة تزويد المراسلين بالمال، حيث تعتبر نشاطهم فيها كنوع من الواجب القومي الكردي الجهادي. وفي ابعد الحالات قد تزود المراسلين بكاميرات تصوير يدوية متواضعة. هذا الامر يحتم على المراسلين أن يكونوا من ذوي الإيرادات المالية الجيدة نسبيا، لكونهم يتحملون أعباء الاتصالات للقناة في الخارج، طبعا وفرت شبكة الانترنيت حاليا إمكانيات ارخص للتواصل.
أما تمويل بث القناة ومكاتبها فيتم عبر جمع تبرعات من اكراد الخارج، وخاصة أكراد المانيا، ويشاع بين الكرد السوريين أن شخصيتين ألمانيتين كرديتان يقدمان وحدهما أكبر الدعم له، احدها تعمل في مجال تجارة الاستيراد والتصدير أما الثانية فلا معلومات ابدا عنها.
“وتأتي شائعات عربية عن الشخصية الثانية أنها من الشخصيات المتعاملة مع احدى الجهات الاستخبارتية سرا “الاستخبارات الاميركية”، التي تزودها هي بالمال من اجل دعم الحزب الذي من الممكن ان تستغل كادره المسلح في زوع قلاقل بين الدول التي ينتشر بها الكرد، متى قررت الاخيرة التحويل نحو القطب الروسي الذي يهدف لاضعاف الوجود الاميركي في منطقتي الشرق الاوسط وقزوين”.
حركة تداول الاموال:
رغم الرقابة الصارمة على حركة تداول الاموال، تعجز الحكومة التركية عن رصد الحركة المالية لهذا الحزب، وهذا ناجم عن استخدام الحزب لآليات يصعب خرقها، وتعتمد على مكاتب صرافة لها فروع في الخارج، ففي حال قررت ادارة الحزب في الخارج تحويل اموالا لتركيا، فإن التحويل يتم إلى إحدى الحسابات الشخصية في اوروبا لأحد العاملين أو اقاربهم من مكتب الصرافة في تركيا. وبدوره مكتب الصرافة في تركيا يقدم المال بالعملة التركية لشخص مدني متعامل مع الحزب في تركيا.
ولعل اغلب التحويلات من الخارج تتم اليوم لاقليم كردستان العراق، لكن بأرقام صغيرة نسبيا ولشخصيات من حزبي الطالباني أو البرزاني ممن لهم اقارب في الخارج، على أن يسلموا الاموال لنشطاء الحزب مع اقتطاع مبلغ صغير منها.
تسليح الحزب:
متى وجد المال يأتيك تاجر السلاح، هذه المقولة باتت معروفة فمافيا السلاح قادرة على خرق أعقد العقد الامنية من خلال شبكة علاقاتها، وهذا الامر يردده كل العارفين بالشأن الكردي، ولعل فرصة انهيار النظام البعثي في العراق، جعلت العراق مصدرا رخيصا للتسلح، وخاصة السلاح الخفيف نسبيا “كلاشنكوف، اربجي، مسدسات، ألغام”. وبالفعل تحصل الحزب على عدد كبير من الاسلحة الفردية، كما تسرب له بعض عناصر البشمركة عددا جيدا من الذخائر دون علم قياداتها، أو بتجاهل من الاخيرة.
الحزب تاريخيا استفاد من النزاع التركي السوري، والتركي العراقي، والتركي الايراني، وتحصل في كل فترة نزاع على حصة طيبة من السلاح. طبعا كان عصر التسلح الاكبر له خلال الحرب الباردة، لذا فإن أغلب أسلحة هذا الحزب هي اسلحة قديمة نسبيا، والجديد منها يكون تحت عين القيادات الكبرى، ولا يستخدم الا وقت الحاجة القصوى.
المادة باللغة الانكليزية:
MONEY AND THE (PKK) KURDISTAN LABORS