العلويين في لبنان

بقلم: عصام خوري

Aug.12.2008

الفقر والتعصب عنوانان يترافقان مع منطقة جبل محسن النصيرية “العلوية” ونظيرتها باب التبانة “السنية”، التي شهدت مؤخرا نزاعا عنيفا في منطقة الشمال اللبنانية طرابلس.

جبل محسن:

ما يعرفه معظم اللبنانيين عن جبل محسن أنه نقطة تمركز العلويين في لبنان، المعروفين بولائهم المباشر لسوريا. يقطن 50 ألف علوي «الجبل»، غالبيتهم عمال ويعيشون جميعاً ظروفاً اجتماعية سيئة، سرعان ما تتلمسها مع اختراقك الأحياء الفقيرة. أبنية قديمة مكتظة، كثافة كابلات وأشرطة معلقة في السماء تكاد تحجب نور الشمس. مقاهي شعبية منتشرة أينما كان. محال تجارية تندر المحتويات الموضوعة على رفوفها. مراكز طبية ومستوصفات عدة منتشرة، إضافة الى مدرسة واحدة «مدرسة أبي فراس الحمداني»، لا تزال أبوابها مغلقة منذ بداية اندلاع الاشتباكات لأن جميع أساتذتها يأتون من الجوار السنّي.

%d8%ac%d8%a8%d9%84-%d9%85%d8%ad%d8%b3%d9%86

صور كثيرة، تبدو بمعظمها قديمة العهد، إذ تآخت مع الجدران الملصقة عليها وبهتت ألوانها بفعل مرور الزمن. صور للرئيس السوري الراحل حافظ الأسد وأخرى للرئيس الحالي بشار، مذيلة بعبارة «كلنا معك»، إضافة الى صور النائب السابق علي عيد، رئيس الحزب العربي الديمقراطي الذي يتوحد جميع العلويين في الجبل تحت رايته. كذلك يثير الانتباه بعض الصور للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله والوزير السابق سليمان فرنجية.

تكاد الطرق داخل الجبل أن تكون خالية إلاّ من بعض العجزة والنساء والأطفال، إضافة الى عناصر أمنيَّة محليَّة تجوب المكان بين الحين والآخر، يُعرفون من الأجهزة اللاسلكية الموجودة بحوزتهم. «الشباب والرجال يستريحون في منازلهم عند الصباح لأنهم يتولّون الحراسة والمراقبة طيلة الليل خلال فترة الاضطرابات بين السنة والعلويين».

 

يصرح الكثير من الشباب في إحدى المقاهي الشعبية في عمق الجبل، أن مشاركتهم في «حرب» الأيام الأخيرة: كانت بهدف الدفاع عن كرامتهم وأنفسهم ونسائهم وأطفالهم. حيث يجمع الجميع على أن كل التيارات السنية من سلفية وجماعة إسلامية وحركة التوحيد الإسلامي وأنصار الرئيس عمر كرامي وتيار المستقبل توحدت تحت راية واحدة بهدف الحفاظ على الهوية السنية في مواجهة العلويين في الجبل. وهذا ما أغضب الأهالي الذين حملوا جميعهم السلاح ليدافعوا هم أيضاً عن هويتهم العلويَّة ووجودهم.

العلاقات السورية النصيرية اللبنانية:

معلوم عند الجميع مدى التنسيق بين النظام السوري وزعيم النصيرين في جبل محسن السيد رفعت عيد، وتعد فيللا «المعلم»، كما يطلق العلويون عليها “فيلا رفعت عيد”، مكان حل أغلب نزاعات أهالي المنطقة، حيث رفعت عيد هو نجل النائب العلوي السابق علي عيد، وهو المسؤول عن تلقي الاتصالات وحل المشاكل العالقة بين هذا وذاك والتأكد من طلب كميات كبيرة من الخبز وتأمين توزيع الحصص الغذائية على قاطني الجبل.

يتولى، بتكليف من والده، مسؤولية العلاقات السياسية في الحزب العلوي المعروف بالحزب العربي الديمقراطي. يبدو مكتبه في الطابق الأرضي من الفيللا بمثابة غرفة عمليات وتنسيق، ويتوزع خارجه حرس مسلحون عند المدخل وعناصر كثيرة في غرفة الاستقبال وفي داخله أجهزة لاسلكية، هواتف ثابتة ونقالة، وأجهزة كومبيوتر، وحركة لا تهدأ ولا تكل.

 

نشأت العلاقة بين نصيري جبل محسن والنظام السوري على خلفية عشائرية دينية واضحة، فنصيري جبل محسن هم إمتداد للعشائر النصيرية السورية، ومن المعروف عند العشائر النصيرية مدى ترابطها فيما بينها، وخدماتها لكل رعيتها، وفق تراتبيه تحدد حسب النسب ومدى الولاء للزعماء. ولعل أحداث عام 1986 التي تمت في منطقة باب التبانة أكبر دليل على مدى الترابط العشائري النصيري، حيث ساهم نصيروا جبل محسن في دعم القوات السورية على تصفية عدد كبير من أهالي باب التبانة “سنة الشمال المتعصبين” ويقدر عددهم بحسب شخصيات سنة من الشمال بقرابة 600 شخص من مختلف الفئات العمرية، حيث قُتلوا بطريقة وحشية بعد أن عذِّبوا ونكِّل بهم، حسبما يقول أحد الملتحين في باب التبانة.

ولا ينكر نصيوا جبل محسن انتصارهم في ذلك العام، لكنهم يربطون ذلك الحدث بواقع الحرب الأهلية اللبنانية، القائمة على الطائفية التي يسعون حاليا لتجاوزها، رغم استمرار رغبة متطرفي باب التبانة وسنة الشمال على استذكار الماضي، والتركيز على الثأر.

إن أحداث مجزرة التبانة عام 1986 كانت امتداد لمستوى تنسيق علاقات مميز بين السلطة السورية ونصيري جبل محسن، فخلال فترة الوصاية السورية على لبنان كان للنصيرين الدور المميز من حيث العلاقات الأمنية، حيث شكل النظام السوري من بعض فئات هذه الطائفة خلايا استخبارتية مميزة، وساهم في زرعها في انحاء مختلفة من لبنان، وأخفى بعضهم نسبهم النصيري وتكنوا بالتشيع كغطاء لهم، مما سهل لهم النفاذ في مناطق بيروت والضاحية. وجدت الاستخبارات السورية في هذه العناصر المعدمة ماديا سندا لها في النفاذ لعموم المجتمع اللبناني، فكونت من خلالها كتلة معلومات لا يستهان بها، ويعرف عن هذه العناصر الولاء الكبير للنظام السوري ولزعيمها رفعت عيد الذي يمثل حاليا إلى جانب زعامة جبل محسن الفريق المساعد الأول للنظام السوري في لبنان.

87030636565759778

وقد زود النظام السوري شركائه في جبل محسن العديد من الأسلحة بغية تقوية نفوذهم في الجبل المطل مباشرة على منطقة باب التبانة، وبما أن الحدود السورية اللبنانية منطقة غير محكمة المراقبة، فإن إمكانية تهريب السلاح من سوريا نحو جبل محسن هي إمكانية معقولة جدا، فالجبل يحاذي الحدود السورية، وكثير من شبابه متمرسين في عمليات التهريب منذ ايام الحرب الأهلية “تهريب سلاح، مخدرات، بنزين…”.

وعملية تدريب شخصيات من هذا الجبل هو أمر سهل جدا، فالنصيري اللبناني قادر على زيارة أولاد عمومه في سوريا لايام عديدة، وفي أوقات متباينة تحددها الحاجة، قد يتلقى خلالها العديد من التدريبات الأمنية أو الاستخبارتية التي توفر لكلا الطرفين بنية معلومات جيدة تخدم الطرفين.

على الرغم من الفقر المدقع لأهالي الجبل، إلا أن ضعف البنية الاستثمارية التي تميز منطقتهم، وغياب الثروات الطبيعية فيها، جعلهم في تقرب من الدين والبنية العشائرية التي توفر لهم من خلال علاقتها المميزة مع الجيران السوريين فرص عمل غير شرعية مثل التهريب، تمكنهم من سد احتياجاتهم بشكل مقبول.

لذا الارتباط السوري النصيري اللبناني اليوم هو ارتباطا جذري يصعب اختراقه، فكل شركاء تيار المستقبل من النصيرين هم في هامش الأرضية الشعبية للشارع النصيري رغم الدعم المادي الكبير لهم. بينما تبدو اسرة عيد في مكانة القائد الدائم للجبل النصيري في عاصمة الشمال طرابلس.

 

Leave a Reply

Please log in using one of these methods to post your comment:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s