الدفاع الوطني كابوس يرعب السوريين

 //جريدة مدار اليوم//بقلم: مها غزالالدفاع-الوطني-620x330.jpg

26/06/2015

لم تكن الأحداث الأخيرة التي تشهدها مدينة صافيتا، أول جريمة تقوم بها مليشيات الدفاع الوطني، التي يعتقد أن تشكيلها حمل أهداف عديدة، أبرزها إعادة تنظيم عناصر الشبيحة، بالإضافة إلى عسكرة الشارع السوري، وتوريط السوريين بجرائم النظام، فضلاً عن تصعيد التوتر بين أبناء الشعب السوري، وتوسيع فجوة الدم بحيث يصبح من الصعب إعادة ردمها.

فجّر مقتل الشاب طوني بطرس، على يد أفراد من قوات الدفاع الوطني، في مدينة صافيتا التي تقع شمال شرق محافظة طرطوس الساحلية، قضية الدعم الذي يؤمنه نظام الأسد لعناصر وضباط “الدفاع الوطني”، الذين ذكرت بعض الأنباء أنهم قتلوا الشاب بطرس بسبب وقوعهم في حالة سكر  بعد شرب مفرط للكحول.

وأكد الصحفي عصام خوري أن “مجموعة من الدفاع الوطني في مدينة صافيتا بمحافظة طرطوس قامت بالاعتداء على المواطن عماد جبور عندما حاول المرور بسيارته من منطقة بيت العكيزي، واطلاق الرصاص عشوائياً مما أدى لإصابته ونقله للمشفى ليلقى حتفه هناك، بالإضافة لشاب آخر اسمه طوني بطرس حاول مساعدة عماد لكنه أصيب برصاصة بالخاصرة، ورصاصة بالصدر، ففارق الحياة مباشرة تاركاً خلفه “عروس جديدة”، فهو متزوج منذ أشهر وستلد زوجته قريباً ليخلق ابنه يتيماً”.

وأضاف “خوري انتفضت عائلات المصابين وبعض العائلات الغاضبة من الحادثة  ولحقت بالقتلة الى بيتهم في بيت العكيزي الامر الذي لم يوقف الاحتدام بل عاد الدفاع الوطني ليطلق الرصاص عليهم مما سبب لمقتل عماد الهدية بالاضافة لعدة اصابات اخرى موجودة الآن بمشفى صافيتا المركزي”.

وفي هذا السياق يؤكد خوري لـ “مدار اليوم” على أن فكرة الدفاع الوطني تشكلت فعلياً على يد ابن عم بشار الأسد، “هلال الاسد”. وهو شخصية معروفة بانتهازيتها، حيث كان مدير الإسكان العسكري في اللاذقية، وهي أضخم مؤسسة تحتكر العديد من الاستثمارات الإنشائية في سوريا، ولطالما كان العاملون فيها يشتكون من تأخر استلام رواتبهم، والسبب استثمارها من قبل هلال الاسد، بحسب الخوري.

وأضاف “عند اندلاع الثورة السورية هيمن هلال الأسد على اللاذقية، وأطلق مشروع الدفاع الوطني، براتب يقارب 15 ألف ليرة سورية اي ما يعادل “300$” آنذاك، واستقطب عدد كبير من الشبان العاطلين عن العمل وخاصة من أبناء الريف العلوي المدقع بالفقر.  وأصبح يطلق على نفسه صفة “زعيم الساحل”، طبعا هذه الصفة لا تتناسب والذهنية الفردية للحكم في سوريا، فتمت عملية تصفيته أو قُتل على يد المعارضة كما ادعت السلطة”.

وأوضح خوري أن مشروع الدفاع الوطني لم يقتصر على اللاذقية وطرطوس، بل توسع كفكرة مستغلة من قبل الأمن العسكري في غالبية المحافظات، في الساحل وسهل الغاب السوري له السمة الطائفية العلوية، وعلى أطراف مدينة حماه نرى وجود سني كبير فيه وخاصة من أبناء بلدة “قمحانة”. في الحسكة نرى وجود عشائري عربي غالب فيه وخاصة من عشيرة طي.

ويلفت خوري إلى أن الجميع يتساءل “لماذا سمح النظام الامني بتشكيل هذا المشروع طالما هناك جيش وشرطة وقوى أمن داخلي، وحقيقة لا نستطيع لليوم تبرير هذا الامر إلا إذا ربطناه بالذهنية الطائفية لمؤسس هذا المشروع وهو هلال الأسد، الذي كان حقيقية يسعى لتطمين الطائفة العلوية أن انهيار السلطة في دمشق لن يعني انهيار العلويين كفئة مسلحة وهذا بحق هو مشروع طائفي”.

وهناك احتمال ثانٍ يبرر إقدام النظام على تشكيل عدة مليشيات مسلحة مثل “كتائب البعث”، “المقاومة الشعبية لتحرير لواء اسكندرونة”،  وهو أن النظام لا يستطيع أن يدفع بسخاء لعناصر الجيش السوري مبالغ شهرية تقارب 200-300$ لتعداد الجيش الضخم، بل يستطيع ان يفعل هذا الامر مع افراد يكوّنون مليشيات، وفي حال أقدموا على انتهاكات يقال أن الجيش بريء وهذه اخطاء فردية، كما حدث قبل أيام في بلدة صافيتا حيث قتل عدة شباب سوريين على يد الشبيحة المحسوبين على الدفاع الوطني.

وتؤكد صحيفة “واشنطن بوست”، و”وول ستريت جورنال”، أن إنشاء هذه المجموعة كان خطوة “ناجحه”، حيث لعبت دوراً حاسماً في تحسين الوضع العسكري لقوات الأسد في سوريا من صيف 2012، عندما توقع العديد من المحللين أن سقوط نظام الأسد بات قريباً.

وتفيد التقارير أن تكون قوة الدفاع الوطني والمؤلفة من حوالي 100 ألف مقاتل ومقاتلة، شاركت أو قامت بقيادة عمليات أدت إلى عدد من المجازر راح ضحيتها مدنيون، من بينها مذبحة مدينة البيضة في بانياس.

ويرجح ناشطون أن سبب انتساب السوريين لهذه القوى يعود إلى عدة أسباب أبرزها ارتفاع نسبة البطالة وعدم وجود فرص عمل، وتوقف العديد من الأعمال بفعل الحرب الأمر الذي يجعل الانتساب لهذه القوى التي تمنح راتب شهري، وفرصة جيدة لتأمين لقمة العيش.

كما ينتسب عدد آخر من السوريين للدفاع الوطني هرباً من الالتحاق بالخدمة الالزامية، وارتفعت أعداد المنتسبين بعد اعلان رفع عمر المطلوبين للاحطياط للجيش، خاصة وأن هذه المليشيا تتألف من سكان المدن والبلدات المتواجدة فيها، ولا ترسل عناصرها إلى مدن وبلدات أخرى. بالإضافة إلى أن التواجد ضمن هذه المليشيا يسهل التنقل والحركة في سوريا الممتلئة بالحواجز، كما أنه يرفع تهمة معارضة النظام، وبهذا يقدم حماية للمنتسب وعائلته.

يبدو أن النظام نجح فعلاً في توريط أكبر عدد ممكن من السوريين بالانتهاكات، التي إن لم يكن يشجع عليها فهو يسكت عنها، ويسمح بها، ويذكر “أمجد” الطالب الجامعي المقيم في دمشق في تصريحات صحفية، “خرجت في الصباح من منزلي قاصداً جامعتي، وإذ بمجموعة من المسلحين يقفون على شارع الزاهرة، يوقفون الشباب ويأخذون بطاقاتهم الشخصية، سرعان ما ناداني أحدهم وأخذ بطاقتي، قلت له أنا طالب ولدي امتحان، فأجابني وهو يبعد نظره عني، لن تأخذ شهادة الدكتوراه اليوم، لا تخف هناك مهمة وطنية ستنفذها وتعود”.

ويضيف “ما هي إلا دقائق وضعوني برفقة 10 شبان أخرين، في شاحنة صغيرة وأدخلونا إلى حي التضامن جنوب دمشق، ثم غطوا رؤوسنا، كانت الأبنية شب مدمرة، وقد أعيدت على الهيكل، أنزلونا من الشاحنة، وأمرونا أن ننظف المكان، وبحسب ما فهمت إن المكان هو حاجز لقوات الدفاع الوطني”، ويتابع “نظفنا المكان وعبئنا أكيس بالرمل، ثم نادوا لي ومعي أحد الشباب وجعلوني أسحب جثة شاب يبدو أنه بالأربعينيات من عمره يرتدي ملابس مدنية، وأمرونا بحرقها، وقبل غياب الشمس أعادونا، وكان أجر كل منا صفعة”.

وذكر أمجد أن “عددا من الشباب يأخذوهم لحفر خنادق وجور”، لافتا إلى أنهم “تعرضوا لمعاملة سيئة وسيل من الإهانات”.

بدوره، قال إياد، ناشط من دمشق، إن “مليشيا قوات الدفاع الوطني سيئي السمعة، يسخّرون مجموعات من الشباب في عدة مناطق من دمشق، للقيام بالأعمال الخطرة أو المجهدة”، وأضاف أن “عناصر الدفاع الوطني تمادوا في استهتارهم بالقانون وكرامات الناس، الأمر الذي يثير استياء بعض مكونات المؤسسة العسكرية التابعة للنظام، إلا أن الرعاية التي يتلقاها هؤلاء من الحرس الجمهوري، جعلهم ميليشيا تعتمد العمل الإجرامي من خطف وسرقة وقتل، دون حسيب أو رقيب”.

وسبق أن ذكرت تقارير إعلامية أن هناك في مكتب الأمن الوطني التابع للنظام أكثر من 20 ألف تقرير بخصوص عناصر الدفاع الوطني، وأكثر من خمسة ألاف مذكرة توقيف، حيث أصبحوا يشكلون إمارات حرب في دمشق، تعتبر خارج سيطرة مؤسسات الدولة.

لا تكتفي هذه القوى بالجرائم التي ترتكبها بحق المدنيين السوريين، بل إنها تتعداها لتصل إلى جرائم بحق عائلات عناصر الدفاع الوطني، الذين قتلوا وهم يخدمون هذه الميليشا. وكشفت “زمان الوصل” في وثيقة دمغت بعبارة “سري للغاية” مرفوعة إلى “قائد الدفاع الوطني في سوريا”، يؤكد مدير “مركز الدفاع الوطني في حماة” وقوع “إساءات في حق عوائل الشهداء وخصوصا نساء الشهداء”.

وتذكر الوثيقة أسماء هذه الشخصيات ومواقعها، وهم: قحطان الحلاق رئيس مكتب الشهداء، أمجد كفا حارس المبنى، أنس عسلية مدير المبنى ومسؤول كبير في الدفاع الوطني.

ويمضي التقرير مستعرضا نماذج من حالات الابتزاز الجنسي لزوجات وأخوات قتلى من الدفاع الوطني، وأولهن زوجة “ن.هـ.أ” التي لم تحصل على استحقاقات زوجها إلا بعد 4 أشهر من ورود اسمه في “قوائم الشهداء”، حيث يقول التقرير، “لدى العودة إلى الزوجة تبين أن المدعو قحطان قام بابتزازها على مدى خمسة أشهر متتالية واستغلال حاجتها المادية لإطعام أطفالها واستغلها جنسيا”.

ويتابع التقرير، “تبين أيضاً أن زوجة الشهيد (هـ.د) تعرضت لابتزاز من قبل المدعو أمجد كفا ومضايقات من طلب رقم الهاتف إلى اتصالات إلى المنزل عدة مرات، وعرض عليها تسهيل أمور الرواتب وتسريعها في حال تعاونت معه”.

ويؤكد “قائد مركز الدفاع الوطني في حماة”، أن التحقيقات مع عدد من نساء “الشهداء” أظهرت أن هناك حوالي 20 حالة مشابهة، تتضمن استغلالاً جنسياً وتحرشاً واستغلال منصب، تورط فيها “كفا” الذي تصفه بأنه “أصبح حالياً على علاقة بعدد من نساء الشهداء ويتواصل معهن بشكل مستمر وأغلبهن يتعاملن معه خوفا من إيقاف الراتب المخصص لهن كعائلة شهيد”.

ويشير التقرير إلى صعوبة الغوص في مزيد من التفاصيل، بسبب حساسية الملف، وخوف الضحايا من النساء على سمعتهن، ولجوئهن للصمت حيال هذا الأمر.

وينتقل التقرير للحديث عن تصرفات المسؤولين البارزين “أنس عسلية” و”قحطان الحلاق”، مؤكدا أنهما “قاما بابتزاز عدد من نساء وأخوات الشهداء بحجة مساعدتهن على تحصيل حقوق أزواجهن، وتم استغلال بعضهن جنسيا، والبعض الآخر قاما –أي أنس وقحطان- بتأخير معاملات الرواتب لهن عند رفضهن لما يطلبان”.

كما يتحدث التقرير عن فساد مالي تورط فيه بالذات كل من “الحلاق” و”كفا” عبر اختلاس المساعدات التي تقدم إلى أسر قتلى الدفاع الوطني، بما فيها الخبز والمواد الغذائية، فضلا عن قيام “الحلاق” بإيهام بعض الأسر التي تأخر ورود أسمائهم في جداول تعويضات “الشهداء”، بأنه قادر على مساعدتهم، لقاء تخليهم عن كامل التعويض أو جزء منه بين 200 ألف و300 ألف ليرة مدعيا أن هذا المبلغ سيذهب إلى جيب أحد المسؤولين في دمشق.

وينوه التقرير في هامشه بوجود ملفات مرفقة تحوي أسماء العائلات التي تم ابتزازها، مؤكدا أن العمل جار على تقرير يخص انتهاكات أخرى يقوم بها عناصر من “الدفاع الوطني”.

وبهذا تنتقل هذه المليشيا من تخويف وترويع الشعب، والدفاع عن النظام وأعوانه، إلى نهش لحم عناصرها وهتك أعراضهم، مما يؤشر على بداية المهمة الثانية لهذه المليشيا وهي تفكيك النسيج السوري أكثر، وزيادة الكراهية، بين أفراد الشعب السوري، لتتوسع رقعة الثأر، وتتفتت البنية الاجتماعية المنهكة داخل المدينة الواحدة أكثر.

Leave a Reply

Please log in using one of these methods to post your comment:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s