بقلم: عصام خوري //جريدة الجمهورية//
11/10/2013

يعيش ساسة سوريا اليوم أزمة حقيقية في خياراتهم، وقدراتهم على تحديد النهج القادر على إنقاذ ما تبقّى من البلاد، فالنظام المتمترس وراء آلة عسكرية ضخمة بات محصوراً بين خيارين:
الأول: يتمثّل بأزمته مع ملف الكيمياوي، والتي تفترض منه تعاوناً غير مشروط يُجرّده من الكثير من أسلحته وصواريخه، ويحمّله أيضاً أعباء مالية، ربما تتجاوز المليار دولار.تصفية النظام
وعلى رغم إشادة وزير الخارجية الأميركية جون كيري بالتعاون السوري قبل أيام، إلّا أنّ النظام يدرك تماماً أنّ الأميركيين أشادوا سابقاً بتعاون الزعيم الليبي الراحل معمّر القذافي، ولما جرّدوه من أهم أسلحته وحصلوا منه على تعويضات مالية ضخمة، قرروا ضربه وتصفيته.
يدرك النظام السوري أنّه مضطر إلى تسليم كل ما لديه، وبعد ذلك ستتم تصفيته، والمضحك أنّه غير مخوّل بالإعتراض على هذا السيناريو، فمن رسمه هو حليفه في الكرملن.
الثاني: النظام مضطر للتفاوض مع معارضة كان يعذّبها تاريخياً، ولم يظن يوماً أنّه مضطر للإعتراف بها، وهذا ما جسّده الرئيس السوري بشار الأسد نفسه خلال مقابلته مع التلفزيون التركي في 4 أيلول الماضي، عندما فاجأته المذيعة بالسؤال التالي:
«كم هو عدد المعتقلين اليوم من سياسيين ونواب وأكاديميين وصحافيين وطلاب في السجون السورية، وكم حكماً بالإعدام وقّعتم عليه، وهل أنت ديكتاتور؟»
أجابها الأسد: «بما أنك تعيشين في تركيا، اذا أردنا أن نقارن أنفسنا بتركيا رجب طيب أردوغان، فوفق إحدى المنظمات المعنية بحرية الصحافة، فتركيا هي الآن السجن الأكبر في العالم للصحافيين، لا.. في سوريا لا توجد لدينا هذه الحال لا اليوم ولا في السابق».
وأضاف: «لا توجد لدينا حالات إغتيال للصحافيين وأي شخص حكم عليه بالإعدام بسبب رأي سياسي، حتى الإخوان المسلمين. الذين حكموا بالإعدام حسب قانون 48 لعام 1980 لأنهم قاموا بعمليات قتل الأبرياء في سوريا، ومع ذلك لم ينفذ هذا القانون على الإطلاق، أما أن يقال أن هناك سجيناً سياسياً من أجل الرأي، نقول هناك الآن في سوريا معارضة بشكل مستمر، إذاً لماذا لم نضع هذه المعارضة في السجن، فليس من المعقول أن نضع أشخاصاً ولا نضع آخرين، نحن لدينا في سوريا قانون واضح… من يدخل إلى السجن هو الذي يقوم بخرق هذا القانون، أما من يريد أن يعارض، فالمعارضة موجودة بشكل معلن، وتستطيعون الذهاب اليها والإلتقاء معها».
طبعاً الأسد لم يزر مبنى جريدة لبنانية تلاطف نظامه تاريخياً ليرى على بابها الرئيس «بوستر يتكلم عن ضرورة الإفراج عن النحات السوري الكبير يوسف عبد لكي الذي أفرج عنه قبل أسابيع»، كما لم يتابع جريدة أخرى داعمة له تنتقد اعتقال المثقفين السوريين خلال ولايته…
نعم النظام العسكري في دمشق لا يعترف بأي مثقف يعارضه، فكل من يعارضه عبارة عن خائن، وما أكثر الخونة في بلد مدمّر… «طلاب جامعة حلب، معتقلو ربيع دمشق، معتقلو إعلان بيروت- سوريا».
من هنا ندرك استحالة تحمّل النظام لخطاب معارضة الإئتلاف الوطني المعارض في اسطنبول، كما لا يمكنه إطلاقاً فهم تشنج مقاتلي كتائب الجيش الحرّ، التي رفضت فكرة التفاوض مع نظامه من دون تنحّيه.
من هنا ندرك أنّ النظام عاجز عن التفاوض، لكنّه قادر على تنفيذ الإملاءات وهنا تكمن قوة روسيا، التي تعوّل عليها واشنطن في فرض استراتيجية نافذة للحل تجبر النظام السوري من خلالها على التنفيذ.
أزمة مفاوضي المعارضة
أدركت التشكيلات المعارضة «الإئتلاف الوطني، هيئة التنسيق الوطنية، إتحاد الديموقراطيين السوريين» إستحالة حصولها على دعم مطلق من التنظيمات الإسلامية المقاتلة، فهذه التنظيمات لن تقبل بمعارضة متجولة على شاشات الفضائيات وفي فنادق المؤتمرات، بينما المقاتلون يعانون الموت تحت وابل النار والرصاص وفي قلق حقيقي من برميل متفجّر هنا وهناك.
كما أنّ المانحين والمموّلين للحرب في سوريا، سيرفضون خروجهم من الأرض السورية التي درّت عليهم أرباحاً طائلة من تجارة السلاح، وتفكيك المعامل وسرقة الآثار والحصول على النفط بأرخص الأسعار. نعم الأزمة السورية خلّفت مجموعة من أمراء الحرب، والأمير منهم همّه مصلحته ومصلحة جماعته وليس مصلحة الجماعة المتمثلة بالشعب.
نعم، سياسيّو المعارضة النزيهون في ورطة حقيقية، فهم لا يتحكمون مالياً بإنفاقات توزيع السلاح والرواتب لمقاتلي المعارضة، والكثير من المانحين يوزعون المال على الكتائب وفق أجندات لا تخدم سياسيّي المعارضة الوطنيين، من هنا ظهرت أسماء عدة لجيوش المعارضة وجميعها لا تعترف بحكومة المنفى التي يرأسها أحمد طعمة، ومن ورائه أحمد الجربا.
كما تنامى صراخ الفئات المتطرفة الجهادية «تنظيم دولة العراق والشام الاسلامية، وتنظيم النصرة» لتشكل محاكمهم الشرعية الخاصة، التي لا تعترف بشكل الدولة المدنية الديموقراطية التي اجمعت كل الكتل السياسية المعارضة على تبنّيها لشكل الدولة الجديدة بعد رحيل الأسد.
ترتيب البيت الداخلي السوري
لا يمكن ترتيب البيت السوري إلّا بموافقة دول عدّة، فالروس يمسكون بكل مفاصل القرار السوري من طرف النظام، بينما طرف المعارضة هو مشتت بين دول عدّة، ومن هنا تأتي أهمية «جنيف2» التي ستجمع هذه الدول على طاولة واحدة، تعلمهم فيها بضرورة توحيد المال المقدّم للمعارضة بجهة وحيدة وهي «المعارضة السياسية»، كي تصبح مؤهلة لمنافسة النظام وحزب «البعث» الذي يمتلك مؤسساته السياسية المنتشرة في كل الأراضي السورية اذا جرت إنتخابات تحت إشراف دولي…
«جنيف 2»
طبعاً «جنيف2» سيكون مساعداً لملء الفراغ السياسي والعسكري وتنظيمه بشكل يضمن الحفاظ على الدولة، ولكنّه لن يحمل الصبغة الوطنية السورية، بل سيحمل أجندات الدول المنظمة له. فالقرار الوطني لسياسيّي سوريا «النظام والمعارضة» قد جُرّد منهم منذ أن باركوا وجود تشكيلات عسكرية غير سورية على أرضهم «حزب الله، لواء أبو الفضل العباس، المقاتلون التونسيون والليبيّون والشيشانيون…»
من هنا ندرك رغبة إيران المشاركة في المؤتمر عبر المقترح الروسي، كما نفهم رغبة السعودية وقطر وتركيا المشاركة باقتراح الإئتلاف المدعوم أميركياً…
فإيران لن تصدر قراراً للميليشيات الشيعية بمغادرة الأراضي السورية، إلّا اذا اصدرت الدول النفطية قراراً مشابهاً في خصوص الميليشيات السنّية، وفي حال لم ينجح هذان القراران، فإنّ المعركة ستستمر وتتوسع لتشمل كل المنطقة، وهذا ما لن ترضى به روسيا وأميركا، لذا فإن الدولتين الأهم عسكرياً في العالم يسعيان لنوع من التسوية، وطبعاً سياسيّو سوريا «النظام والمعارضة» لن يكونوا إلّا بيادق فيها، مهمتهم التوقيع وفقط التوقيع… وبالنسبة لتجار الحروب، فإنّ استثماراتهم قد تنتقل نحو دول أخرى لم تدمّر مثل مصر والسودان…
وهنا يشعر السوريون بنوع من الخزي والعار، فقد أصبحوا مطية الأجندات الدولية، بينما كانت مطالبهم في أساسها قائمة تحت شعار «الحرية والعدالة». والتساؤل اليوم: هل سيسعى المجتمع الدولي لتحقيق مطلبهم بعدالة وإيمان بالحرية… أم سيسعى المجتمع الدولي والإقليمي لبناء ثقافة مشابهة لتلك التي تمّت في العراق، والتي صرّح الأميركيون أنها ستكون مثالاً للديموقراطية في المنطقة!…