حلب مقابل حمص

بقلم: عصام خوري //جريدة الجمهورية//

30/07/2013

Untitled-9_4_
«يمكننا تطهير حلب من الإرهابيين خلال 20 يوماً»عبارة كتبها روبرت فيسك في صحيفة «الإندبندنت»، نقلاً عن قائد عمليات الجيش السوري في حلب بتاريخ 21 آب 2012.

21 تموز2013 أُعلن عن مقتل قائد عمليات قوات النظام في منطقة خان العسل العقيد حسن يوسف حسن، مع عدد من مرافقيه، بالإضافة إلى عشرات القتلى من الجيش في ثكنه العسكرية عند بوابة حلب الرئيسة.

الموت سمة المجتمعالنزاع العسكري في سوريا لم يأخذ طابع الوضوح للمواطن البسيط، أو حتى للمحلل الجيو- عسكري، ففي سوريا عدد كبيرة من الجبهات، مما جعلها وطناً مقسّماً بين جيوش عدّة.

فضابط الجيش النظامي عندما يطلب من قيادته إغاثة وتتخلّف قيادته عن هذا الأمر، يصبح بمثابة قائد ميليشيا تأتمر بقراره الذاتي الموالي للسلطة، فقد يستسلم أو ينشق أو يقاتل حتى تنتهي ذخيرته، وإن انتصر تعتبر القيادة في دمشق إنتصاره بمثابة انتصار لها.

وعندما تطالب كتيبة من الثوار بدعم عسكري ويتمّ تجاهلها من باقي الكتائب أو من قيادة الأركان أو المجلس العسكري، يصبح قائدها مضطراً لأن يكون زعيم ميليشيا معارضة للنظام، عليه واجب تأمين تمويل عناصره وطريقة توزيعهم، وآلية حربهم ضد النظام…

اليوم لا يوجد جيش نظامي أو جيش حرّ إلّا في بعض المناطق التي باتت معروفة للجميع، أمّا بقية المناطق من سوريا فهي بمثابة تجمعات لميليشيات موالية ومعارضة.

النزاع العسكري في سوريا شوّه الحياة، وهدم بنية جيش كان قوامه 600 ألف مقاتل، بينما ساسة النظام والمعارضة يتبادلان الإتهامات والشعب الأعزل يذوق ويلات الحرب من غلاء وتشرّد وغياب خدمات.

الشباب في سوريا يهربون من الخدمة الإلزامية، ليس لأنّهم جبناء، بل لأنهم لا يريدون ان يكونوا سلعة رخيصة في نزاع لا فائدة منه، نزاع لن تتنصر فيه إلّا شركات إعادة الإعمار المتلهفة لدخول البلد المدمّر بسلاح أهل البلد.

تقسيم سوريا عسكرياً

أشاع النظام أنّ معركته المقبلة بعد القصير ستكون معركة “حلب والرقة”، إلّا أنّه وجّه جلّ قواته نحو مدينة حمص “حي الخالدية” وتناسى مدينة حلب، لتسقط أهم ثكناتها “خان العسل” في يد كتيبة أحفاد الصحابة، وسبق سقوط خان العسل حصار قاسٍ على قاطني المدينة، مما جعل أهاليها يشتمون النظام والمعارضة معاً.

فعلياً القطع العسكرية للنظام لا تزال متواجدة في كل المحافظات، وحتى في محافظة الرقة الواقعة اليوم في يد ما يسمى “دولة العراق والشام الإسلامية”، إلّا أنّ هذه القطع العسكرية تحارب من دون استراتيجية واضحة، فكما يبدو أنّ النظام عاجز عن تأمين خطوط إمداد دائمة لها، مما حولها إلى قطع عسكرية معزولة تعيش حال إمداد ذاتية، واستمرار وجودها يعطي الإنطباعين التاليين:

1 – المعارضة المحيطة بها ليست قوية كفاية لإسقاطها.

2- النظام يضحي بها مقابل أن يظهر دولياً كنظام له وجود على كل الأراضي السورية.

معركة الجيش السوري كما هو واضح باتت متركزة على حماية المناطق التابعة له وعزلها بشكل كامل عن جوارها الثائر، لذا فإن جلّ اهتمامه بات يتركز على فرض انتشاره على المناطق التالية: (مدينة دمشق، طريق دمشق – حمص، مدينة حمص، طريق حمص الساحل السوري، ريف حماه الغربي)، ونشاطه العسكري في هذه المناطق، يوفر له إمكان ارتباط وثيق مع مقاتلي “حزب الله” المدربين على أسلوب حرب العصابات وقتال الشوارع بشكل جيد.

أمّا معارك مدينة حلب وإدلب، فهي معارك تهدف لتمرير الوقت، وصولاً نحو حل تفاوضي عبر مؤتمر “جنيف2″، فالنظام السوري يريد تسوية وفق معيار وحيد وهو (أنا ما أزال الفريق العسكري الأقوى الذي حافظ على خدماته للشعب المقيم في المناطق التابعة لي، أمّا المناطق الخارجة عن سلطتي فهي مناطق مدمرة، والقسم الذي لم يدمّر فإنه في إطار مشروع الدمار المقبل).

لذا فإنّ سقوط مدن حلب وإدلب ودير الزور هو أمر متوقع اذا تمكنت المعارضة من الحصول على سلاح نوعي، وهذا ما دفع رئيس الإئتلاف المعارض الجديد أحمد الجربا للسعي بكل الطرق الممكنة للحصول على هذا السلاح النوعي، فوصول الجربا وميشيل كيلو لمؤتمر “جنيف2” من دون مدينة حلب، يعني أنّ النظام السوري هو الغانم الأكبر من نتائج هذا المؤتمر.

وهذا ما لا تريده المملكة العربية السعودية المتخوفة من انتصار إيران في هذه المعركة الإقليمية، فإن انتصر الأسد في هذا المؤتمر، فإن إيران ستنتصر في معركة البحرين، وبعدها ستمتد نحو المناطق الشرقية من المملكة العربية السعودية.

من هنا ندرك أنّ مهمة النظام السوري حالياً تتمثل بعرقلة حصول المعارضة إلى مدينة حلب بشكل كامل، مع المحافظة على خططهم لجعل مدينة حمص وريف دمشق الشمالي منطقة آمنة للنظام.

في المقابل، تكمن مهمة المعارضة المسلحة في تهديد العاصمة دمشق ذاتها بعمليات كرّ وفرّ مستمرة، وهدفها “إشعار النظام انه ليس آمناً حتى في دمشق، وهو مجبر على التفاوض معنا، وإن لم يرضَ التفاوض وفق شروطنا، فإننا سنحصل على حلب وإدلب قريباً، وقد نفاجئه بفتح معركة ريف اللاذقية الشمالي من جديد، وحينها سيذهب إلى “جنيف2″ مطأطأ الرأس”.

نعم أبواب “جنيف2” لن تفتح إلّا بعد دمار وقتل كثير، فالسوري اليوم في عيون القوى الإقليمية والدولية عبارة عن “رقم” ضمن سلعة إسمها بشرية.

Leave a Reply

Please log in using one of these methods to post your comment:

WordPress.com Logo

You are commenting using your WordPress.com account. Log Out /  Change )

Facebook photo

You are commenting using your Facebook account. Log Out /  Change )

Connecting to %s