بقلم عصام خوري //جريدة الجمهورية//
10/09/2013

النظام السوري بدوره رمى كلّ ثقله في جعبة الروس، الذين صرحوا على لسان وزير خارجيتهم سيرغي لافروف بكلّ وضوح “النظام السوري سيذهب إلى جنيف2 من دون أيّ شروط مسبقة”، في حين بدا نظيره السوري وليد المعلم ضعيفاً وشاحب الوجه، مستجدياً عدم التدخل العسكري ضدّ نظامه عبر تذكير الغرب بأحداث 11 ايلول وتدمير برجَي التجارة العالميين، وشاكراً موقف البابا الداعي لصلاة سلام من أجل سوريا…
قوة مؤتمر “جنيف2”:
ربما يكون هذا المؤتمر “مؤتمر كلّ شيء” او “مؤتمر لا شيء”، وهذا لن يتحدد الّا إن تمّ الضغط على طرفَي الصراع عبر تنسيق روسي-اميركي مشترك، هدفه ترتيب البيت الداخلي السوري لحلّ ملفات تهمّ المجتمع الدولي وأهمها:
– وقف النزاع العسكري بين الجيش الحرّ والجيش النظامي، وإيجاد صيغة توافقية تجمعهما عسكرياً ربما يكون احدى ادواتها الجنرال علي حبيب، والجنرال مناف طلاس المرضى عليهما دولياً سواء من الروس او الاميركيين والفرنسيين.
– المحافظة على ما تبقى من مؤسسات الدولة عبر شراكة بين سياسيي الائتلاف المعارض والسلطة الحاكمة في دمشق ضمن حكومة انتقالية توافقية.
– التحضير لانتخابات برلمانية مبكرة تحت إشراف دولي.
– تنظيم قطاعَي الامن والشرطة وفق صيغة تحمي المدن وتحفظ كرامة المواطن.
– تكليف الجيش المشترك، والذي قد يسمّى “جيش الدفاع الوطني” بتصفية الجماعات الراديكالية الجهادية بالتعاون مع الاهالي والعشائر.
طبعاً ليتمّ ذلك، فإنّ كلّاً من طرفَي النزاع العسكريَين والسياسيَين يجب ان يشعروا بنوع عالٍ من الضغط، وهذا ما يجري الآن. فلافروف خلال لقائه الصحافي مع المعلم، لم يدافع عن النظام بل دافع عن فكرة رئيسية وهي رفضه للمتطرفين.
الامر ذاته أوضحه كيري خلال مؤتمره مع الوزير البريطاني وليام هيغ أمس، لكن مع فارق أنّ استخدام الكيماوي ضدّ الشعب من قبل النظام هو قمة التطرّف.
من هنا ندرك أنّه بين الروس والأميركيين قواسم مشتركة تدفعهما للتجادل ولكن ليس التخاصم، فالبوارج الروسية وصلت إلى المتوسط، على رغم إعلان الروس أنّهم لن يكونوا طرفاً في النزاع العسكري، وكذلك البوارج الأميركية زادت من عددها وعتادها على رغم تصريح أوباما بأنّه لن يضرب الّا بموافقة الكونغرس.
فعلياً الحشود العسكرية الروسية والأميركية هي حشود قادرة على حفظ أمان دول جوار سوريا وإسرائيل خصوصاً، أكثر من كونها حشوداً هادفة نحو تقليم اظافر النظام بشكل جذري. فقد اعلنها الروس والاميركيون أنّهم لا يرغبون بتغير نظام بشار الاسد، بل سيتركون هذه المهمة للشعب، ولكن مع ضرورة إزالة كلّ ما قد يسبب تفاقماً في التطرف مستقبلاً.
نعم الروس والاميركيون يلعبون لعبة السياسة الضاغطة والمؤثرة في مجتمعاتهم وفي سياسيي سوريا “المعارضين والموالين”، فقد أُوعز إلى جبهة النصرة وكتائب “احرار الشام” الجناح العسكري لدولة العراق والشام الإسلامية الدخول في هذا الوقت تحديداً إلى مدينة معلولا الاثرية ذات الاهمية المسيحية العالمية!!!…
من أجل إحداث ضجة عالمية حول خطر المتطرفين على الارث المسيحي والمسيحيين في المشرق، وايضاً من أجل إشعار طرفَي النزاع العسكريين بعجزهما عن حماية الإرث المسيحي من دون الجلوس إلى طاولة مفاوضات حقيقية.
فقيادة اركان الجيش الحرّ بقيادة سليم ادريس عاجزة عن اخراج تنظيم النصرة واحرار الشام من مدينة معلولا، كي لا تصطدم معهم عسكرياً، والنظام يقصف من بعيد ما يسبب دماراً للارث المسيحي العريق في هذه المدينة… والخاسرون طبعاً هم المدنيون ناهيك عن التاريخ البشري… واللافت للنظر أنّ موقع مدينة معلولا البعيد عن الطريق الدولي “حمص-دمشق”، لا يجعلها مدينة استراتيجية للنظام والتنظيمات المتطرّفة، لكنّ النزاع فيها يجعلها فقاعة ضخمة هدفها إحداث ضجة اعلامية لواقع هذا البلد الجريح.
فرسالة الروس والاميركيين مفادها “على الاسد أن يكافح المتطرفين لكن لا يجب ان يكون هو متطرفاً”، طبعاً تحقيق هكذا معادلة هو امر شديد الصعوبة، لا بل ربما هو الصعوبة بعينها، فكيف لرئيس اتهم كلّ معارضيه بالارهاب يحاورهم الآن، وكيف يستطيع أن يقتل ارهابياً متواجداً في حيّ مدني من دون أن يدمّر الحي كله كما اعتاد جيشه طيلة العامين الماضيين.
لذا الخيار الوحيد امام الاسد أن يذهب إلى طاولة المفاوضات بشكل غير مشروط، وعليه عدم التهكم من معارضيه وتخوينهم لانّهم سيكونون مستقبلاً شركاء معه في القرار.
فهو إن سلّم سلاحه الكيماوي إلى المجتمع الدولي، لن يكون حاكماً مطلقاً على سوريا، بل سيستمرّ بمعاركه مع المعارضة المدعومة من المال النفطي لهدف اسقاطه، ما قد يجعله مستقبلاً عرضةً لانتقادات دولية تجبر المجتمع الدولي على التدخل العسكري من جديد على الارض السورية.
امّا في حال لم يسلّم سلاحه الكيماوي: فإنّ البيت الابيض لن يقف مكتوفاً، بل ستكون نقمته على النظام كبيرة جداً، وقد يقدم على احد السيناريوهات التالية:
– في حال موافقة الكونغرس على الضربة العسكرية: أن تكون الضربة العسكرية قاصمة، وتضعف الجيش السوري بشكل كبير ما يمكّن الجيش الحرّ من تحقيق انتصار سريع على النظام يؤدي لاطاحته كما حدث في السيناريو الليبي.
– في حال عدم موافقة الكونغرس: فإنّ الدعم العسكري للجيش الحرّ سيتنامى، وستحصل كتائبه على صواريخ محمولة على الكتف تسقط جبروت السلاح الجوّي للنظام.
فهل يفهم طرفا النزاع العسكريان الرسائل الاميركية والروسية بتمعن، ام يستمران بعنادهما الذي لا يثمر الّا بمقتل وتشريد السوريين؟